بصرى الشام جنوب سوريا.. مدينة تاريخية أنهكتها الحرب وعبث لصوص الآثار
شمال سوريا – رغم أنها مسجلة منذ عام 1980 على لوائح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" (UNESCO) بوصفها أحد المواقع التراثية العالمية، فإن مدينة بصرى الشام التاريخية جنوبي سوريا تشكو الإهمال والتعديات، ونالها من الحرب الأهلية السورية المستعرة منذ 2011 نصيبها من القصف والتدمير.
ومنذ استعادة النظام السوري السيطرة على المدينة وانتزاعها من يد فصائل المعارضة السورية عام 2018، لم تشهد بصرى الشام ومواقعها الأثرية الموغلة في القدم أي عمليات ترميم أثري حقيقية للأضرار الناجمة عن سنوات من الإهمال والتعرض لنيران القصف، وظلت معالمها التاريخية عرضة للعابثين واللصوص.
وتقع مدينة بصرى الشام في محافظة درعا التي كانت مهدا للاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد في ربيع عام 2011، وتتميز بأنها من أهم المواقع التاريخية في سوريا لكونها تضم آثارا رومانية وبيزنطية وإسلامية، وكانت تشكل قبل الحرب محطة مهمة للسياح من كل أنحاء العالم.
ويعد المدرج الروماني وسرير بنت الملك والقلعة الأيوبية الأثرية، فضلا عن الجوامع والكنائس والأديرة، أبرز المعالم الأثرية في بصرى الشام، إذ حافظ المدرج الشهير على رونقه وشكله العمراني الروماني، رغم بعض الخراب.
ويتسع المدرج -الذي يعود تاريخ بنائه للقرن الثاني الميلادي- لأكثر من 15 ألف متفرج، ويتسم بشكل نصف دائري، وهو مقسوم إلى 3 أقسام مفصولة عن بعضها بواسطة ممشى عريض تفتح عليه الأبواب المعدة لدخول المتفرجين وخروجهم.
ولا يمكن ذكر المدينة دون أن يسلط الضوء على كنيسة الراهب بحيرا البيزنطية، التي عاش فيها الراهب خلال فترة قصيرة ما قبل الإسلام، والتقى هناك -وفق الرواية التاريخية- النبي محمدا صلى الله عليه وسلم عندما كان طفلا أثناء مرافقة عمه أبي طالب في قافلة تجارية متجهة إلى بلاد الشام.
ولعل أبرز ملامح العمارة الإسلامية في المدينة الجامع العمري وجامع ياقوت والجامع الفاطمي ومسجد الخضر، إضافة إلى المدارس مثل مدرسة الدباغة ومدرسة أبي الفداء.
دمار وتعديات
وإبان سيطرة المعارضة السورية على بصرى الشام في عام 2012، تعرضت المدينة للقصف من قوات النظام والطيران الحربي الروسي، وشهد بعض أحيائها معارك واشتباكات عنيفة، وطال الدمار أجزاء من مدرج بصرى الشام بنسبة أضرار "لا تتجاوز 3% إلى 5% في المسرح"، وفق تصريحات إعلامية لرئيس مجلس المدينة وافي الدوس.
ويوثق باحث في علم الآثار من بصرى الشام (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) الأضرار والدمار الذي طال المدينة خلال سنوات من الحرب، مؤكدا استهداف سرير بنت الملك بقصف من مركبة "بي إم بي" (BMP) العسكرية (روسية الصنع) منذ بداية الثورة السورية، مما أدى إلى انهيار السرير بالكامل.
ويلفت الباحث -في حديث للجزيرة نت- إلى استهداف مدرج بصرى الروماني والقلعة لأكثر من مرة خلال عامي 2016 و2017 بواسطة الطيران الحربي والمدفعية، مما تسبب بأضرار في أجزاء من مدرجات المدرج الروماني، وأضرار جسيمة في إحدى الباحات السماوية التابعة لمنصة المسرح، وانهيار جزء كبير من أحد الممرات الواصلة بين الأبراج الدفاعية في القلعة.
وعن التعديات التي طالت المدينة، أشار الباحث إلى وجود تجاوزات وسرقات تعرضت لها المنطقة الأثرية، خصوصا في المتحف الموجود بقلعة المدينة، في الفترة الزمنية لسيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية له، مؤكدا قيام البعض بعمليات تنقيب وحفر عشوائي، تكون غالبيتها خارج المنطقة الأثرية.
وأشار إلى قيام دائرة الآثار في المدينة بجزء من الترميم فيما يخص خندق القلعة وإعادة إعمار الجدران المنهارة والممر المدمر بين الأبراج الدفاعية في القلعة.
جهود روسية
ومع توقف المعارك والهدوء في المدينة، بدأت روسيا -حليفة النظام السوري الأبرز- بخطوات عملية لمد نفوذها في الجنوب السوري عبر بوابة ترميم الآثار وتأهيلها، إذ قام قبل نحو عام فريق من الخبراء الروس في الأكاديمية الثقافية الروسية والمتخصصين في مجال الآثار وترميمها بإجراء مسح جوي بالطيران المسيّر للمدينة القديمة بشكل كامل.
وقال مدير آثار بصرى الشام علاء الصلاح حينها إن "هذه الخطوة تأتي لتوثيق الأضرار ووضع خطة مبدئية من أجل إعادة إحياء الآثار وترميمها بموجب تصور إلكتروني ثلاثي الأبعاد، وضم الوفد إعلاميين من التلفزيون الرسمي الروسي".
وأضاف الصالح، في تصريح لإذاعة "شام إف إم" الموالية للنظام، أن بصرى الشام تشهد توقفا لحركة السياح منذ العام 2011 بشكل كلي، معتبرا أن العقوبات المفروضة على البلاد تؤثر على قطاع السياحة، وتمنع العديد من المنظمات من العمل في البلاد أو تمويل المشاريع.
ومنذ حديث الصالح لم يطرأ أي تبديل أو تتم خطوات عملية من روسيا أو جهات دولية لترميم واقعي على الأرض، وبقيت الجهود طي النسيان.
ويؤكد أهالي المدينة غياب حركة السياحة الفعلية في بصرى الشام الزاخرة بالآثار، حيث تشهد المدينة بين الحين والآخر زيارات لا تذكر لمجموعات سياحية سورية من بعض المحافظات، في حين أصبحت زيارات السياح الأجانب حدثا نادرا.