آبار كابل تجف.. تغير المناخ يضغط على الموارد المائية لأفغانستان

الطفل سناء الله (يمين) وشقيقه نور الله يحركان عربة يدوية بها براميل فارغة لجلب المياه (رويترز)

يقضي نور الله البالغ من العمر 8 سنوات وشقيقه التوأم سناء الله أيامهما في جر علب المياه الصفراء على متن عربة يدوية عبر أزقة العاصمة الأفغانية كابل المتربة، بدلا من الذهاب إلى المدرسة وهي محنة تواجهها إحدى الأسر تعكس أزمة المياه المتفاقمة في أفغانستان.

بعد أن كانت تحصل على المياه من بئرها الخاصة، اضطرت الأسرة المكونة من 13 فردا إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام صنابير المياه العامة أو تجميع الأموال لشرائها من شاحنات صهريجية بمبالغ كبيرة منذ أن جفت الإمدادات قبل 4 سنوات.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

ومع تسبب تغير المناخ في زيادة وتيرة الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار في أفغانستان، تقول وكالات الإغاثة إن العاصمة كابل باتت من بين المدن الأكثر معاناة من نقص المياه في آسيا، حيث يؤدي النقص إلى تفاقم الأمراض وسوء التغذية والتسرب من المدارس، كما في حالة الطفلين التوأمين من عائلة أسد الله.

وحذرت شبكة محللي أفغانستان، وهي مجموعة بحثية مستقلة مقرها كابل، في تقرير صدر هذا الشهر من احتمال نفاد المياه الجوفية في المدينة بحلول عام 2030، مع جفاف مدن أفغانية أخرى أيضا.

A girl carries empty barrels to fetch water, amid serious water crisis in Kabul, Afghanistan, August 28, 2025. REUTERS/Sayed Hassib
فتاة تحمل براميل فارغة لجلب المياه، وسط أزمة مياه خطيرة في كابل عاصمة أفغانستان (رويترز)

أزمة خانقة

وتُعمّق أزمة المياه الخانقة في أفغانستان وخصوصا عاصمتها التفاوت، إذ تنفق الأسر الفقيرة ما يصل إلى 30% من دخلها على مياه الصهاريج، بينما يحفر الأثرياء آبارا خاصة أعمق فأعمق.

يقف الصبِيان التوأمان مع عشرات الأطفال في طابور أمام صنبور مشترك، حيث يتحول الدفع والصراخ في كثير من الأحيان إلى معارك بسبب ارتفاع درجة الحرارة.

قال نور الله، الذي أصيب بنوبة صرع أثناء جلبه الماء "أحيانا نقف في الطابور لثلاث ساعات، وعندما تشتد الحرارة، يصيبنا الدوار"، بينما يشعر والدهم، أسد الله، صاحب المتجر البالغ من العمر 42 عاما، بأنه لا خيار أمامه.

إعلان

يجلس أسد الله أمام متجره الصغير، وبجواره براميل مياه فارغة، يقول "من الصباح حتى المساء، يذهب أطفالي لجلب الماء 6 أو 7 مرات يوميا، في بعض الأحيان يبكون ويقولون إنهم لا يستطيعون إحضار المزيد، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟"

في السابق، كان أسد الله وعائلته يحصلون على المياه عبر إحدى الشركات، وكانت تكفيهم 3 أو 4 أيام، كما يقول، لكن هذا الخيار لم يعد موجودا الآن.

في حديقة منزل العائلة، تغسل زوجته، سبيراي الأطباق في حوض بلاستيكي، تقيس كل إبريق حفاظا على المياه، وتحرص أيضا على تغلية مياه الشرب بعد أن أصيب زوجها بقرحة في المعدة، جراء عدوى بكتيرية مرتبطة بالمياه غير النظيفة.

كان ذوبان الثلوج يغذي حوض المياه في كابل، ارتفع عدد سكان العاصمة إلى أكثر من 6 ملايين نسمة خلال عقدين من الزمن، لكن الاستثمار في البنية التحتية للمياه ظل بطيئا.

كما دمرت الحرب جزءا كبيرا من شبكة الإمداد، مما جعل السكان يعتمدون على الآبار أو صهاريج المياه باهظة الثمن، والتي لا تتوفر دائما أيضا.

Children stand nearby a dried-up hand-pump, amid serious water crisis in Kabul, Afghanistan, August 29, 2025. REUTERS/Sayed Hassib
أطفال يقفون بالقرب من مضخة مياه يدويةمعطلة وسط أزمة مياه خطيرة في كابل عاصمة أفغانستان (رويترز)

إجهاد مائي

على بُعد بضعة شوارع من أسد الله، يؤكد محمد عاصف أيوبي، ممثل المجتمع المحلي البالغ من العمر 52 عاما، أن أكثر من 380 أسرة في الحي تواجه نفس المعاناة، حيث وصل الإجهاد المائي إلى ذروته.

يقول أيوبي "حتى الآبار التي يصل عمقها إلى 120 مترا جفت"، كان هذا العمق يُعتبر كافيا في السابق للوصول المياه. وأدت موجات الجفاف وأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة إلى الحد من ذوبان الثلوج الذي كان يُغذي حوض كابل المائي، وترك مجرى النهر جافا معظم العام.

وكانت مبعوثة الأمم المتحدة في أفغانستان روزا أوتونباييفا قد قالت في مجلس الأمن الدولي في وقت سابق من هذا الشهر، إن الجفاف والصدمات المناخية والهجرة تهدد بتحويل كابل إلى أول عاصمة حديثة تنفد منها المياه "في غضون سنوات، وليس عقودا"، وفق تقديرها.

وحسب تقرير صادر عن منظمة "ميرسي كورب" غير الحكومية، انخفضت مستويات المياه الجوفية في طبقات كابل المائية بمقدار ما بين 25 و30 مترا خلال العقد الماضي، مع استخراج 44 مليون متر مكعب سنويا أكثر مما يمكن تجديده طبيعيا، بسبب التوسع الحضري السريع والتغير المناخي.

وتشير منظمة الأمم المتحدة إلى أن وكالاتها في أفغانستان بحاجة إلى 264 مليون دولار عام 2025 لتقديم خدمات المياه والصرف الصحي الضرورية، لكن حتى الآن، تم توفير 8.4 ملايين دولار فقط من هذا المبلغ، مما يعكس حجم النقص في التمويل.

ورغم هذه التوقعات القاتمة، تبقى لأسد الله أمنية بسيطة أساسها الماء، إذ يقول "لو توفرت لدينا كمية كافية من الماء، لما اضطر أطفالي للركض طوال اليوم، سيتمكنون من الذهاب إلى المدرسة، وستتغير حياتنا بأكملها".

المصدر: رويترز

إعلان