عرّافو السلطة: منابر الغيب في خدمة الأنظمة

علم التنجيم والفلك
الكاتب: تتجاوز نبوءات بعض المنجمين التسلية لتصبح أدوات مخابراتية ناعمة (شترستوك)

في عالم تتصاعد فيه الأزمات السياسية والاقتصادية، تلجأ بعض الأنظمة وأجهزة المخابرات إلى وسائل غير تقليدية لإدارة وعي الجمهور وتطويعه مع الأحداث الكبرى.

من بين هذه الوسائل، يظهر دور المنجمين وعلماء الأبراج كواجهة ناعمة تُستخدم لنشر توقعات وأحداث مُعلّبة تخدم أجندات معينة، تحت غطاء "التنبّؤات الغيبية".

حين تقدَّم المعلومات السياسية على شكل "توقعات غيبية"، يتحول وعي الجمهور من اليقظة إلى الانتظار، ومن التحليل إلى الاستسلام

المنجمون والتنبؤات: أكثر من مجرد قراءة للأبراج

لا يقتصر دور المنجمين على قراءة الأبراج، بل يمتد ليشمل تمرير رسائل سياسية وأمنية مخفية. فالكثير من توقعاتهم لا تأتي عشوائية، بل تعتمد على معلومات سياسية واقتصادية، لكن تقدَّم بشكل غامض يتيح ترويض الشارع على قبول الأحداث بدلًا من مواجهتها.

هناك الكثير من التوقعات التي لم تتحقق، مثل انقطاع الإنترنت العالمي، أو تنبؤات تتعلق بكوارث طبيعية أو اجتماعية تُستخدم لتفسير مناخ الأحداث، دون الإشارة إلى الأسباب السياسية الحقيقية مثل الاغتيالات أو سقوط الأنظمة.

الفارق بين التنجيم الشعبي والتسريب السياسي

رغم الزخم الإعلامي الذي يرافق توقعات بعض المنجمين كل عام، فإن كثيرًا من هذه "النبوءات" لا تتحقق أبدًا، بل تُنسى مع مرور الوقت.

مثل التوقع في أحد الأعوام بشأن "انقطاع الإنترنت عن العالم بشكل كامل لمدة أيام". لم يحدث شيء من هذا القبيل، لكن ما حدث فعلًا هو أن الناس بدأت تتحدث عن احتمال انقطاع الإنترنت كما لو كان خطرًا حقيقيًّا.

في المقابل، نجد أن التوقعات المتعلقة بالكوارث الطبيعية (فيضانات، أعاصير، زلازل) غالبًا ما تكون مستندة إلى مناخ الدول وجغرافيتها، لا إلى علوم خفية.

لكن اللافت أن التنبؤات الأخطر هي تلك التي تتعلق بالاغتيالات، وانهيار الحكومات، أو سقوط أنظمة سياسية! هنا لا يعود التنجيم تنبُّؤًا عابرًا، بل أداة محتملة لتمرير معلومة أمنية مغلّفة بالخيال.

والنتيجة أن الخلط بين هذه الأنواع من التوقعات يمنح المنجمين سلطة رمزية زائفة، ويجعل الناس تقبل التسريب السياسي بوصفه قدرًا غيبيًّا لا مهرب منه.

إذا صدق المنجم كثيرًا، يبدأ الناس بالشك في علاقته بالسلطة. أما إذا أخطأ عمدًا، فيُضفي على نفسه طابعًا بشريًّا، ويبدو كأنه مجرد مجتهد

من الغيب إلى الترويض: كيف يُعاد تشكيل سلوك الناس؟

حين تقدَّم المعلومات السياسية على شكل "توقعات غيبية"، يتحول وعي الجمهور من اليقظة إلى الانتظار، ومن التحليل إلى الاستسلام.

إعلان

الآثار النفسية والسلوكية لهذه التوقعات:

  • القلق المسبق: تنتشر مشاعر الخوف من "المجهول".
  • الخضوع للأمر الواقع: تقنع الناس أن ما يحصل قدر محتوم.
  • التعلق بالأمل الكاذب: تُؤجِّل الاحتجاج بحجة "انتظار الانفراج".
  • الارتباك والانقسام: تُشتّت الرأي العام وتُضعف الفعل الجماعي.

تتجاوز نبوءات بعض المنجمين التسلية لتصبح أدوات مخابراتية ناعمة، تُستخدم لتهدئة المجتمعات وتمرير الأحداث الكبرى بقبول شعبي

تكتيك "الخطأ المقصود": حين يُسقط المنجم نفسه ليبدو بريئًا

من بين الحِيَل الإعلامية المستخدمة ما يمكن تسميته بـ"الخطأ المقصود" أو التوقع المضلِّل عن عمد.

الفكرة ببساطة: إذا صدق المنجم كثيرًا، يبدأ الناس بالشك في علاقته بالسلطة. أما إذا أخطأ عمدًا، فيُضفي على نفسه طابعًا بشريًّا، ويبدو كأنه مجرد مجتهد. ولكن، لماذا تفعل بعض القوى الخفية ذلك؟

  • لإبعاد الشبهات.
  • لإدامة دور المنجم في المشهد.
  • لتعزيز ثقته لدى الجمهور بوصفه "يخطئ ويصيب".

الإعلام ورأس السنة: منصة الترويج للمشاريع السياسية المعلّبة

تحول الإعلام، خاصة في رأس السنة، إلى منصة لشرعنة المنجمين، حيث تمرَّر توقعات تهيئ الناس لمشاريع جاهزة بطريقة غيبية لا تثير القلق.

فضائح وتكتمات: كشف العلاقة المالية والسياسية لبعض المنجمين

في فيديو مسرّب، ظهر شيك بقيمة 150 ألف دولار من بنك فرنسي سُلّم لإحدى المنجمات، وخلال برنامج تلفزيوني تم استجوابها عن سبب التحويل ومن قام به، ما أثار غضبها بشدة. هذا يعكس العلاقات الخفية المالية والسياسية لهؤلاء، ويعزز فرضية ارتباطهم بجهات أمنية.

ختامًا: تتجاوز نبوءات بعض المنجمين التسلية لتصبح أدوات مخابراتية ناعمة، تُستخدم لتهدئة المجتمعات وتمرير الأحداث الكبرى بقبول شعبي. لذلك، من المهم فضح العلاقة بين المنجمين والسلطة، وتعزيز الوعي النقدي، وتحفيز الإعلام المستقل لمساءلة هذه الشخصيات ووقف شرعنتها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان