"قسَد" في مهب التحولات من الرهان الأميركي إلى الابتزاز الروسي

سوريا - دمشق - وصف اتفاق دمشق و"قسد" بأنه اتفاق تاريخي ويمهد لمرحلة جديدة في سوريا (الجزيرة)
الكاتب: ستبقى "قسَد" عرضة للتقلبات ما دامت لم تنتقل من كونها ورقة بيد الآخرين إلى رقم فاعل ضمن مشروع وطني شامل (الجزيرة)

منذ تشكّلها كقوّة عسكرية محلية، مدعومة من التّحالف الدوليّ لمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة، ظلّت قوّات سوريا الديمقراطية (قسَد) ترتكز في وجودها على دعم الولايات المتحدة، سياسيًّا وعسكريًّا.

لكن هذا الرهان الإستراتيجي بدأ يهتز تدريجيًّا بفعل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، آخرها سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وصعود إدارة أميركية أكثر براغماتية بقيادة دونالد ترامب في ولايته الثانية.

وسط هذه المتغيرات، شرعت "قسد" في رحلة لإعادة تموضع سياسي، باحثة عن بدائل عن الحضن الأميركي، ومقتربة تدريجيًّا من دمشق، ومدّ جسور مع موسكو، في مشهد يعيد رسم التحالفات شمالي شرقي سوريا.

عقب اتفاق 10 مارس/ آذار 2025، بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، حصلت الأخيرة على "مسافة أمان" سياسية وعسكرية، جنّبتها أي صدام مع الحكومة الجديدة أو حليفتها تركيا

فتور الحضن الأميركي

بعد أكثر من سبع سنوات من التنسيق العسكري مع واشنطن، وجدت "قسد" نفسها أمام معادلة قاسية: الدعم العسكري الأميركي لا يترافق مع ضمان سياسي، وواشنطن لا تمانع -عند الحاجة- في التغاضي عن الضربات التركية أو في التلويح بالانسحاب.

ظهر هذا الفتور الأميركي بعد تعثر الحوار الكردي- الكردي، ورفض واشنطن إعطاء أي التزام سياسي بشأن مستقبل الحكم الذاتي أو شكل الدولة السورية القادمة. وهو ما دفع "قسد" إلى التفكير بخيارات تتجاوز الرهان الأحادي على واشنطن.

التبدل السياسي بعد سقوط بشار

شكّل سقوط بشار الأسد نقطة تحول مفصلية، خاصة مع وصول أحمد الشرع إلى السلطة، وإعلانه نهجًا سياسيًّا يسعى إلى "الوحدة الوطنية" عبر التسويات لا الحسم العسكري.

هذا التطور أتاح فرصة لـ"قسد" لإعادة التموضع ضمن مشروع وطني جامع، يضمن لها حضورًا في مستقبل سوريا الجديدة، خاصة في ظل تحولات إقليمية تسمح بإعادة بناء جسور التفاهم.

 لا تسعى موسكو للاحتفاظ بشرق الفرات حبًّا بالجغرافيا، بل لأنها ورقة تفاوضية تستخدمها لفرض بقائها في الساحل السوري، موقعها الأكثر أهمية إستراتيجية، حيث توجد قواعدها الوحيدة على المياه الدافئة

مسافة أمان مؤقتة

عقب اتفاق 10 مارس/ آذار 2025، بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، حصلت الأخيرة على "مسافة أمان" سياسية وعسكرية، جنّبتها أي صدام مع الحكومة الجديدة أو حليفتها تركيا.

إعلان

هذه المهلة المؤقتة أتاحت لـ"قسد" ترتيب أوراقها السياسية والعسكرية، والبحث عن مصادر دعم أكثر تنوعًا، بعيدًا عن الارتهان الحصري لواشنطن، خاصة بعد تقلّص الدعم الأميركي في عهد ترامب، الذي شرع في تطبيع العلاقات مع دمشق.

"قسد" تعوّل على تخلي المركز عن الأطراف

ترى "قسد" في سياسة الحكومة السورية الجديدة -التي تميل إلى التركيز على الشطر الغربي من البلاد- فرصة لفرض نفسها كسلطة أمر واقع في الشرق، خاصة في ظل عدم توفّر ظروف دولية أو أمنية مناسبة لعمل عسكري كبير، قد يضع دمشق في مواجهة مباشرة مع واشنطن، أو يُدخل البلاد في حالة استنزاف طويلة، وهو ما يجعل دمشق في موقع المتغاضي مرحليًّا، مقابل ترتيب البيت الداخلي سياسيًّا واقتصاديًّا.

رحلة "قسد" من الحضن الأميركي إلى الحضن الروسي ليست مجرد تبدل في التحالفات، بل هي انعكاس لحقيقة إستراتيجية: لا يوجد حليف دائم في لعبة الأمم، بل توجد أوراق ومصالح

روسيا و"قسد": ورقة تفاوضية لضمان النفوذ الساحلي

أنا أرى أن موسكو، بعد سنوات من الدعم غير المشروط للنظام السابق، وجدت نفسها بعد سقوطه متفرّجة من قواعدها في الساحل السوري، تترقّب سياسة الحكومة الجديدة، التي تُبدي انفتاحًا ملحوظًا على الغرب؛ فقد أُلغي اتفاق "طرطوس 49 عامًا"، وتكررت الدعوات الأوروبية لطرد روسيا من سوريا.

وبعد فشل محاولة انقلاب فلول النظام السابق المدعومين جزئيًّا من موسكو في ربيع 2025، أيقنت روسيا أنها فقدت حليفها الأساسي. فتحينت موسكو الفرصة، خصوصًا بعد ملامح الانسحاب الأميركي التدريجي، فوسّعت قاعدتها في القامشلي.

وبرأيي، فإن موسكو لا تسعى للاحتفاظ بشرق الفرات حبًّا بالجغرافيا، بل لأنها ورقة تفاوضية تستخدمها لفرض بقائها في الساحل السوري، موقعها الأكثر أهمية إستراتيجية، حيث توجد قواعدها الوحيدة على المياه الدافئة، وهو حلم الجغرافيا السوفياتي الذي تحقق أخيرًا وتكافح للحفاظ عليه.

رحلة "قسد" من الحضن الأميركي إلى الحضن الروسي ليست مجرد تبدل في التحالفات، بل هي انعكاس لحقيقة إستراتيجية: لا يوجد حليف دائم في لعبة الأمم، بل توجد أوراق ومصالح. وستبقى "قسد" عرضة للتقلبات ما دامت لم تنتقل من كونها ورقة بيد الآخرين إلى رقم فاعل ضمن مشروع وطني شامل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان