شعار قسم مدونات

إيران وفن التفاوض

الكاتب: طهران تعتبر رفع العقوبات والاعتراف بدورها الإقليمي وتوازن الردع مع إسرائيل أولويات لا تقل أهمية عن تخصيب اليورانيوم (الجزيرة)
  • حين تملي الجغرافيا منطقها

في العلاقات الدولية، لا تسير الأشياء غالبًا كما هو مرسوم على الأوراق.. تُغيّر الجغرافيا قواعد اللعبة، وتعيد كتابة منطقها حين يتعلّق الأمر بدول تدرك حجمها وموقعها مثل إيران.

طهران ليست طرفًا بسيطًا في أي معادلة، بل هي لاعب يفرض إيقاعه، ليس فقط عبر الصواريخ والمفاعلات، بل عبر سردية تفاوضية فريدة.

يتعامل الغرب مع البرنامج النووي الإيراني باعتباره محور الأزمة.. لكن في الخطاب الإيراني، هذا الملف ليس إلا أحد تجليات الصراع الأشمل

المفاوض الإيراني.. نفَس طويل وعقل بارد

في كل جولة تفاوضية، يبدو أن الإيرانيين يتقنون لعبة الوقت؛ صبرهم ليس مجرد فضيلة، بل أداة إستراتيجية! تُروى عنهم حكايات في غرف المفاوضات: يبتسمون، يُنصتون، يُدوّنون، ثم يفاجئون خصمهم بأسئلة تربك خطابه لا جوهر طرحه.

فهم لا يناقشون فقط تفاصيل "ما يُطلب"، بل يسألون: من يطلب؟ ولماذا الآن؟ وما البدائل؟ وفي خلفية المشهد، يعمل عقل فارسي يعتبر التفاوض امتدادًا لمعركة حضارية بدأت قبل آلاف السنين، يوم وقف كسرى في مواجهة قيصر.

النووي.. ورقة وليس قضية

يتعامل الغرب مع البرنامج النووي الإيراني باعتباره محور الأزمة.. لكن في الخطاب الإيراني، هذا الملف ليس إلا أحد تجليات الصراع الأشمل.

طهران تعتبر رفع العقوبات والاعتراف بدورها الإقليمي وتوازن الردع مع إسرائيل أولويات لا تقل أهمية عن تخصيب اليورانيوم؛ وربما لهذا السبب، كلما ظنّت واشنطن أنها اقتربت من "صفقة" تظهر طهران بمطلب جديد، أو تُعيد النقاش إلى نقطة الصفر، كأنها تقول: لسنا نفاوض تحت ضغط، بل نكتب تاريخًا جديدًا.

ما دام الغرب يفاوض بعقلية العُقوبات، فستستمر طهران في صناعة الوقت. وما دامت واشنطن تنظر إلى طهران من زاوية أمن إسرائيل فقط، فستبقى طهران تتقدم في مشروعها الإقليمي

الجغرافيا كُتب لها أن تفكر

من يطلّ على خريطة إيران يدرك أنها ليست دولة فقط، بل بوابة؛ تقع في قلب طريق الطاقة، وتُشرف على الخليج، وتتقاطع مصالحها مع روسيا، والصين، وأفغانستان، والعراق، وسوريا.. هذا الموقع يجعل كل اتفاق معها أكثر من "تفاهم نووي"، إنه إعادة ترتيب للشرق الأوسط.

لذا، تتصرف إيران كقوة وسطى تعرف أن خروجها من اللعبة يعني انكسار توازن إقليمي، وربما عالمي. وكأنها تقول: نحن لا نهدد أحدًا، لكن لا أحد يمكنه تجاوزنا.

إعلان

هل يُفاوض الإيرانيون من أجل السلام؟

ربما لا، بل يفاوضون من أجل تثبيت ما يعتبرونه حقًّا تاريخيًّا.. السلام بالنسبة إليهم ليس هدفًا بحد ذاته، بل نتيجة حتمية لمعادلة: إذا احترمتم مصالحنا ساد السلام، وإن تجاهلتمونا فالمنطقة ستشتعل، وربما يمتد ذلك أبعد من المنطقة.

النهاية ليست قريبة

ما دام الغرب يفاوض بعقلية العُقوبات، فستستمر طهران في صناعة الوقت. وما دامت واشنطن تنظر إلى طهران من زاوية أمن إسرائيل فقط، فستبقى طهران تتقدم في مشروعها الإقليمي تحت عنوان: "دعهم يتكلمون، ونحن نُغيّر الجغرافيا".

في النهاية، يبدو أن الإيرانيين لا يبحثون عن اتفاق، بل عن اعتراف.. وهذا هو الفارق الكبير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان