- المستشفيات تنهار: جرائم تتحدى القانون
غزة، التي تتحول المستشفيات فيها إلى أهداف عسكرية، تتكشف فيها مأساة إنسانية تتحدى كل القوانين الدولية.
منذ تصاعد النزاع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى أبريل/ نيسان 2025، وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أكثر من 140 غارة إسرائيلية على مرافق طبية، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الذي أصبح رمزًا للدمار.
هذه الهجمات لم تقتل المرضى والأطباء فحسب، بل حطمت بنية تحتية صحية تعاني أصلًا من حصار مستمرّ. استهداف المستشفيات ليس خطأً عابرًا، بل إستراتيجية تهدف إلى خنق الأمل في قلوب الفلسطينيين.
إن تدمير البنية التحتية الصحية -كما حدث في مستشفى الشفاء- ليس مجرد خطأ عسكري، بل سياسة تهدف إلى كسر إرادة شعب محاصر
فكر متطرف يغذي العنف
وراء هذا العنف، تقف حكومة إسرائيلية متشددة تتبنى رواية "العالم ضدنا" لتبرير قوتها المفرطة، وبدعم من بعض المحافظين في الولايات المتحدة، يُصوَّر الضحايا المدنيون كأضرار جانبية في حرب وجودية.
هذا الفكر المتطرف لا يدمر الأرواح فحسب، بل يكشف تناقضًا صارخًا: كيف يمكن لدولة تدعي الديمقراطية أن تبرر قصف الأطفال والمرضى؟ صور الدمار تنتشر عالميًّا، ما يعزز التضامن مع الفلسطينيين، لكن ذلك لا يكفي لوقف آلة الحرب.
إن تدمير البنية التحتية الصحية -كما حدث في مستشفى الشفاء- ليس مجرد خطأ عسكري، بل سياسة تهدف إلى كسر إرادة شعب محاصر. صور الدمار، التي تنتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل، تُلهب التضامن العالمي مع الفلسطينيين، من مظاهرات برلين إلى منشورات طوكيو.
لكن، رغم هذا الغضب الشعبي، تظل آلة الحرب مستمرة، مدعومة بحصانة سياسية تتحدى المحاسبة. التضامن وحده لا يكفي؛ فبدون ضغط دولي حاسم: (عقوبات، تحقيقات جنائية، أو قطع الدعم العسكري)، سيستمر هذا الفكر في حصد الأرواح وتدمير المستقبل.
في غزة، المقاومة ليست خيارًا، بل هي رد فعل طبيعي إذ تُسلب أبسط الحقوق الإنسانية، والاحتلال هو جذر الصراع. التاريخ يذكّرنا أن حركات التحرر، من غاندي إلى مانديلا، واجهت اتهامات مشابهة قبل أن تُكرم كرمز للعدالة
صمت دولي يخنق الأمل
ما يثير الغضب هو تخاذل المجتمع الدولي.. مجلس الأمن الدولي، المكلف بحماية السلام، يظل عاجزًا بسبب الفيتو الأميركي المتكرر. حتى بعض الدول العربية، التي كان يُنتظر منها دور تاريخي، تقاعست عن الضغط الحاسم لوقف هذا العنف، مكتفية ببيانات شجب لم تعد تُحدث فارقًا.
هذا الصمت يعمق شعور الفلسطينيين بالعزلة، ويطرح سؤالًا ملحًّا: هل فقد العالم ضميره؟ هذا الصمت المؤسسي لا يُعمق عزلة الفلسطينيين فحسب، بل يرسل رسالة خطيرة: الحياة الفلسطينية لا تستحق الحماية!
تقارير منظمة الصحة العالمية تُظهر أن 70% من ضحايا الهجمات هم نساء وأطفال، هذا التخاذل يُغذي شعورًا باليأس في غزة، حيث يرى السكان أن العدالة مجرد وهم في مواجهة القوة الغاشمة.
المقاومة: حق مشروع أم ذريعة للشيطنة؟
في خضم هذا الدمار، تُدان المقاومة الفلسطينية كمصدر للعنف من بعض الأوساط التي تتجاهل سياق احتلال مستمر منذ عقود.
في غزة، المقاومة ليست خيارًا، بل هي رد فعل طبيعي إذ تُسلب أبسط الحقوق الإنسانية، والاحتلال هو جذر الصراع. التاريخ يذكّرنا أن حركات التحرر، واجهت اتهامات مشابهة قبل أن تُكرم كرمز للعدالة. شيطنة الفلسطينيين لا تخفي الحقيقة: الاحتلال هو جذر المأساة.
غزة اختبار لإنسانيتنا.. الأطفال الذين يموتون تحت القصف، والأمهات اللواتي يفقدن كل شيء، هم تذكير بأن الصمت ليس محايدًا، بل هو تواطؤ
التضامن ينمو: هل يكفي للتغيير؟
على الرغم من الصمت الرسمي، يتزايد التضامن الشعبي مع الفلسطينيين، من مظاهرات باريس إلى احتجاجات شيكاغو، وصولًا إلى الرباط ، تنتشر صور الأطفال تحت الأنقاض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مُلهمة جيلًا جديدًا من النشطاء.
لكن هذا التضامن يحتاج إلى خطوات ملموسة: عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، دعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، وإعادة إعمار غزة.. بدون ضغط سياسي، ستبقى هذه الاحتجاجات مجرد صرخات في الفراغ.
دعوة للعمل: لا مكان للصمت بعد الآن
غزة اختبار لإنسانيتنا.. الأطفال الذين يموتون تحت القصف، والأمهات اللواتي يفقدن كل شيء، هم تذكير بأن الصمت ليس محايدًا، بل هو تواطؤ.
العالم مدعو اليوم للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ: محاسبة المسؤولين، حماية المدنيين، وإنهاء حصار يخنق المستقبل.. إذا لم نتحرك الآن، فمتى؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.