شعار قسم مدونات

شهر رمضان شهر العبادة والنضال

سكان غزة يحاولون إعادة الحياة للمناطق المدمرة
سكان غزة يحاولون إعادة الحياة للمناطق المدمرة (الجزيرة)

شهر رمضان هو شهر العبادة والطاعة، شهر التضحية والرحمة، حيث يسعى المسلمون في كل مكان للاغتراف من خيراته الروحية والجسدية!. هو وقت من الفرح الروحي والنقاء النفسي، حيث تتجدد العزائم وتعلو الهمم في تقوى الله سبحانه وتعالى.

يحلّ علينا الشهر هذا العام -كما العام الماضي- وسط محنٍ قاسية تعصف بالأمّة الإسلامية، أبرزها المجازر المستمرة في فلسطين، حيث يحاصَر أهل غزّة بلا ماء أو غذاء، ويواجهون حرب إبادة أمام أعين العالم.

رمضان ليس شهر الخمول أو الفتور، بل كان عبر التاريخ شهر التضحيات والفداء والنصرة والبطولات والتحولات الكبرى؛ حيث شهد أعظم الانتصارات الإسلامية التي غيّرت مجرى التاريخ

ومع انسحاب الجيش الإسرائيلي جزئيًا من قطاع غزّة بعد أكثر من عام من القصف المكثّف، انتقلت الحرب إلى شمالي فلسطين، حيث بدأت القوات الإسرائيلية بتدمير مدن مثل جنين ومخيّمها وطولكرم ونابلس، ما زاد من معاناة الفلسطينيين في تلك المناطق.

وفي ظل هذا المشهد، ينشغل كثير من المسلمين بالنوافل، بينما يتجاهلون أن الأولوية الشرعية في مثل هذه الظروف هي إنقاذ الأرواح ونصرة المستضعفين؛ فالإسلام لم يكن يومًا دين العزلة والانطواء، وخاصّة في المحن، بل دين العمل والجهاد.

رمضان شهر النضال الحقيقي

رمضان ليس شهر الخمول أو الفتور، بل كان عبر التاريخ شهر التضحيات والفداء والنصرة والبطولات والتحولات الكبرى؛ حيث شهد أعظم الانتصارات الإسلامية التي غيّرت مجرى التاريخ:

إعلان
  • غزوة بدر الكبرى (17 رمضان، 2هـ): انتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم، وكانوا صائمين، ليؤكّدوا أن رمضان شهر العزيمة لا التراخي.
  • فتح مكة (رمضان، 8هـ): دخل النبي ﷺ مكة منتصرًا، محققًا أعظم الفتوحات السلمية في الإسلام.
  • معركة حطين (رمضان، 583هـ): سحق فيها صلاح الدين الأيوبي جيوش الصليبيين، واستعاد القدس بعد احتلال دام قرابة 90 عامًا.
  • معركة عين جالوت (رمضان، 658هـ): دمر فيها المسلمون بقيادة سيف الدين قطز جيوش المغول الذين اجتاحوا بلاد المسلمين.

هذه الأحداث تثبت أن رمضان لم يكن شهر التقوقع والركود، بل شهر الحسم والتغيير، واليوم يشهد العالم صمود قطاع غزّة والضفة الغربية في مواجهة جيش الاحتلال المدعوم أميركيًا وأوروبيًا بكل صلافة، حيث يتحدى أهلها الموت والجوع، بينما يكتفي كثير من المسلمين بالدعاء دون أي تحرّك فعلي، بين التبرّع بالدرجة الأولى والإعلام والضغط السياسي والدعوات القانونية، والعمل التطوعي من خلال مُنظّمات الإغاثة، والتعريف بالقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية عبر الحوارات والكتب والمقالات.

وهناك جزئية مهمة جدًا، وهي النضال الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالرد على حملات التضليل الإعلامي وفضح الأكاذيب، وتفنيد الادعاءات المُغرضة، وفضح جرائم الحرب الإسرائيلية، التي امتدت الآن إلى مدن الشمال في الضفة الغربية، فضلًا عن المشاركة الجادة في حملات المقاطعة الدولية، وأخيرًا الدعاء واليقين بالاستجابة.

الأولوية لإنقاذ الأرواح قبل النوافل

إنقاذ النفس البشرية ليس خيارًا، بل هو فريضة في الإسلام، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، وكما قال النبي ﷺ: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".

فكيف يمكن للمؤمن أن يقضي رمضان في راحة وسكينة بينما يُقتل الأبرياء أبناء جلدته جوعًا وتحت القصف؟! هل يمكن أن تكون النافلة أولى من إطعام طفل يتضور جوعًا، إلّا إذا اجتمعا معًا؟

إعلان

إن الأولويات في الإسلام واضحة: الواجب مُقدّم على النافلة، وإنقاذ الأرواح عبادة واجبة، تماما كالعبادات الواجبة.

الإسلام ليس دين الشعارات، بل دين الأفعال، وكل من يستطيع تقديم مساعدة ولم يفعل، فهو مسؤول أمام الله يوم القيامة

الإنفاق في سبيل الله فرض لا خيار

يعتقد البعض أن الصدقة في رمضان مجرّد فضيلة، لكنها في مثل هذه الظروف؛ كالعدوان الإسرائيلي في فلسطين عامّة، وخاصة حرب الإبادة والتجويع التي تُمارس على غزّة، تتحوّل إلى فريضة شرعية. وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ….. وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60]. كما قال النبي ﷺ: "من فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة".

وأي كربة أعظم من المجاعة والحصار الذي يعانيه أهلنا في غزّة؟ التبرّع بالأموال والمواد الإغاثية الآن ليس إحسانًا، إنما هو واجب على كل من يملك القدرة.

كيف ننصر غزّة في رمضان؟

النصرة ليست شعارًا، بل عملًا مستمرًا يتطلّب خطوات عملية، ومن أهم ما يمكن القيام به:

  • التبرّع عبر المنظمات الموثوقة كي تصل المساعدات إلى أصحابها في القطاع، إضافة إلى فضح جرائم الاحتلال إعلاميًا من خلال مشاركة الحقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكشف الانتهاكات، وأيضًا مقاطعة الشركات الداعمة للصهاينة، لأن أموالنا يجب ألا تتحوّل إلى رصاص يُقتل به أهلنا في فلسطين.
  • الضغط السياسي عبر التظاهرات والعرائض، والضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف حقيقية ضد ممارسات الجيش الإسرائيلي، ويمكن توظيف الجهاد الإلكتروني بأفضل وجه لفضح الأكاذيب الصهيونية، والتصدي للحملات الإعلامية المضللة. وأخيرًا الدعاء المقرون مع العمل، الذي لا يقوم دون خطوات عملية لتحقيقه، كهذه التي ذكرناها آنفًا.

إذا لم يكن رمضان وقتًا للتحرّك من أجل غزّة وجنين ومخيّمها، وطولكرم والضفة برُمّتها، والسودان المنسية، فمتى يكون؟ لنضع الفريضة قبل النافلة، ولنثبت أن الإسلام دين حركة لا خمول، دين عدل لا استسلام، دين نصر لا هزيمة

ما هو الجهاد اليوم؟

قد يتساءل البعض: هل الجهاد اليوم محصور بالسلاح فقط؟ والجواب هو أن الجهاد له أشكال عديدة، وكل فرد يمكنه أن يساهم فيه حسب قدرته:

  • جهاد المال: بدعم المحتاجين وإغاثة المنكوبين، كما هو الحال الآن في قطاع غزّة وشمالي الضفة.
  • جهاد الكلمة: بالتصدي للحملات الإعلامية المضللة.
  • جهاد المقاطعة: بعدم تمويل الاحتلال بطريقة غير مباشرة.
  • جهاد الاحتجاج: بإيصال صوت المستضعفين للعالم.
إعلان

الإسلام ليس دين الشعارات، بل دين الأفعال، وكل من يستطيع تقديم مساعدة ولم يفعل، فهو مسؤول أمام الله يوم القيامة.

إعادة تعريف العبادة في رمضان

شهر رمضان المبارك لم ينحصر بالصيام والقيام، بل هو شهر الجهاد بمعناه الواسع: جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد الكلمة، وجهاد المقاومة. قال النبي ﷺ: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". واليوم، هذه الكلمة -كلمة الحق- يجب أن تكون لنصرة المستضعفين في فلسطين، ولا ننسى السودان، وفضح الاحتلال، والعمل بجد لإنهاء حرب الإبادة في القطاع على بعد كيلومترات منّا.

رسالة رمضان هذا العام

إذا لم يكن رمضان وقتًا للتحرّك من أجل غزّة وجنين ومخيّمها، وطولكرم والضفة برُمّتها، والسودان المنسية، فمتى يكون؟ لنضع الفريضة قبل النافلة، ولنثبت أن الإسلام دين حركة لا خمول، دين عدل لا استسلام، دين نصر لا هزيمة.

اللهم اجعل رمضان هذا العام شهر نصر وعزّة للمسلمين، وأعنّا على القيام بواجبنا تجاه أمتنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان