شعار قسم مدونات

العراق ما بعد سوريا.. التحديات ومستقبل العمل السياسي

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مشاركته في الحفل التأبيني الذي أقيم في العاصمة بغداد مواقع التواصل
تسعى الحكومة العراقية لعبور مرحلة التقاطع في الإرادة بين الإرادة الأميركية وتلميحات إيران (مواقع التواصل)

في ظلِّ التكهنات والتحليل، يتداول العراقيون على المستوى السياسي التطورات الإقليمية، وما حدث في سوريا من تغييرات سياسية مفاجئة، وتأثيرها على العراق، وما يترتب عليها من ارتدادات وتحولات في المشهد الداخلي؛ فبعضهم يتحدث عن تغيير جذري في المشهد السياسي العراقي على مستوى النظام والشخصيات، فيما يرى آخرون أن التغيّرات ستقتصر على مكافحة الأنشطة المسلحة الموالية لإيران، حيث بدأت الملفات تطرح على طاولة الإطار التنسيقي لمناقشتها، وإيجاد آلية للخروج بحل لهذه الملفات، وأكثرها تعقيدًا هو ملف الفصائل وسلاحها، وملف الحشد الشعبي الذي ارتُهِن مصيره بموقف الفصائل وشعاراتها وزعاماتها.

حالة التوتر والقلق الموجودة في الساحة السياسية العراقية -بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض- هي الأبرز، مع تخوفات من إعادة رسم المشهد السياسي، واستهداف الفاعل السياسي العراقي المحلي، وعزله عن السلطة بسيناريوهات مختلفة

ثنائية الحشد والفصائل

تمثل العلاقة بين الحشد الشعبي -كمتطوعين- والفصائل المسلحة ثنائية جدلية، وتداخلًا معقدًا أمام الحكومة العراقية التي يترأسها السوداني؛ إذ لم يتمكّن الحشد من فك ارتباطه مع تلك الفصائل التي أعادت هيكلتها وتنظيماتها تحت هذا الاسم، بل اعتمدت كليًا على اسم الحشد في الجانب السياسي، وتوسيع رقعة النفوذ السياسي والاقتصادي.

وتسعى الحكومة العراقية لعبور مرحلة التقاطع في الإرادة، بين الإرادة الأميركية وتلميحات إيران، التي تمثلت في تصريحات المرشد التي تقدم الدعم الكامل لتسمية الحشد دون الفصل بينه وبين الفصائل، على الرغم من المساعي الجارية ضمن الإطار التنسيقي في الحوار، وإعداد خطة تقضي بنزع سلاح الفصائل، إلا أن تشابك المصالح والارتباطات الإقليمية يعقّد المشهد ما لم تكن هناك مساعٍ إقليمية لتقريب وجهات النظر، ولا ننسى أن هناك حالة التباس يصعب معها تحديد ارتباط القيادات، وما إن كانوا فعليًّا خاضعين لكيان الحشد كجزء رسمي من الدولة أم هم مرتبطون بمليشيات مسلحة لها ولاءاتها الإقليمية خارج سياق الدولة وقوانينها.

إعلان

بوصلة العراق السياسية

لا يخفى على المتابع في الشأن السياسي أن حالة التوتر والقلق الموجودة في الساحة السياسية العراقية -بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض- هي الأبرز، مع تخوفات من إعادة رسم المشهد السياسي، واستهداف الفاعل السياسي العراقي المحلي، وعزله عن السلطة بسيناريوهات مختلفة.

وقد أعطت هذه المتغيرات والتوقعات دافعًا للسوداني للعمل بوتيرة متصاعدة على المستويين الإقليمي والدولي، بما ينعكس إيجابًا على حكومته، وكذلك في التأييد للحصول على ولاية ثانية من خلال ترتيب أولويات المشهد القادم، بالإضافة إلى أجنحة سياسية داخل الإطار، تتعامل مع سياسة ترامب بمنهجية براغماتية؛ فقد سارعت الحكومة العراقية إلى تهنئة ترامب بتسنمه منصب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأميركية، حيث تتعكز الحكومة العراقية على اتفاقية الإطار الإستراتيجية مع أميركا، وكذلك تبحث عن وضع دبلوماسي يضمن الإبقاء على فصائل منكفئة بسلاحها تحت سيطرتها، حتى لو تعرضت لضغوط إقليمية، أي إيجاد حالة من التوازن في السياسات الإقليمية، وضبط الإيقاع الداخلي للجماعات المسلحة.

إيران، وخاصة بعد تغريدة الخامنئي الأخيرة بشحذ همم الفصائل العراقية، والتي لم تلقَ رواجًا بين الفصائل وتعاطيًا مع فحواها، وزيارة قاني، وزيارة السوداني طهران، ذلك يعطي انطباعًا واضحًا أنه يجب على إيران أن تتخذ سياسة سبات القنفذ لكي تحافظ على ما تبقى من أواصر نفوذها في المنطقة

الرؤيتان الأميركية والإيرانية تجاه العراق بعد لبنان وسوريا

الرؤيتان الأميركية والإيرانية تتناسبان طردًا في العراق، بعد أن أصبح العراق هو رقعة الشطرنج الآن بالنسبة للوجود الأميركي والإيراني بالشرق الأوسط؛ فالرؤية الأميركية تجاه العراق ما زالت ثابتة بالمحافظة على وجودها، لكنها متغيرة بأدواتها وتعاملها للحفاظ على وجودها وهيمنتها بتحريك المشهد، فسياسة بايدن التي كانت تحمل بيرق أمل بالسلطة الموجودة، فكانت إستراتيجية step by step المتأملة من إدارة بايدن للحكومة العراقية مع الوعيد والنذير، هي التي تبث بأثير سماء الطبقة السياسية الحاكمة وفصائلها.

لكن الأمر أصبح مختلفًا تمامًا مع قدوم إدارة ترامب، الذي سبقت له تجربة في الشرق الأوسط، أظهرت كيفية تعاطيه، واستخدام إستراتيجية التدمير المباشر، واتضحت أكثر سياسته التي ستمارس تجاه الوضع العراقي من خلال تصريحاته بعدم التهاون مع نفوذ إيران والفصائل التابعة لها، وهذا ما أكده مايكل والتز في لقاء له، حيث أكد أنه بعد الانتهاء من رهائن غزة "سيكون لنا تعامل صارم مع الفصائل العراقية"، وذكر طريقة الردع التي سوف تستخدم بالضرب المباشر، بشكل أقوى مما حدث في لبنان وغزة، وهذا تهديد وتبيان واضح للمشهد العراقي إن حاولت الفصائل والسلطة العراقية كسر قيد الإقامة الجبرية الأميركية.

إعلان

أما إيران، وخاصة بعد تغريدة الخامنئي الأخيرة بشحذ همم الفصائل العراقية، والتي لم تلقَ رواجًا بين الفصائل وتعاطيًا مع فحواها، وزيارة قاني، وزيارة السوداني طهران، ذلك يعطي انطباعًا واضحًا أنه يجب على إيران أن تتخذ سياسة سبات القنفذ لكي تحافظ على ما تبقى من أواصر نفوذها في المنطقة.

وقد اعتادت إيران -والمتابع لها- دائمًا اتخاذها إستراتيجية السكون إن تحركت الولايات المتحدة، وهذه السياسة ساعدت على أن تحافظ على مكتسباتها الإقليمية؛ فإيران لن تتنازل عن مكانتها ونفوذها في العراق، لأنه باب الطوارئ لها، لكنها في الوقت نفسه لن تحرق نفسها بالمواجهة الصريحة، ولا بتنشيط عمل الفصائل.. إيران أيقنت وجربت تعامل إدارة ترامب معها، لذلك ستركن للسكون مع القليل من البهارات الإيرانية، حتى لا تميع وجودها في العراق.

الآتي إلى المشهد العراقي مجهول، ويعتمد على اللاعبَين الأميركي والإيراني على الساحة العراقية؛ فحرب الوكالة التي اعتمدتها إيران طيلة سنواتها لن تجدي نفعًا مع قدوم إدارة ترامب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان