ربما في مخيلتي أن الإدارة الجديدة في سوريا تهمس الآن في أذنَي المواطن السوري العجول: تمهل إنك لن تستطيع معي صبرًا.
نحن هنا أمام اختبار ذكاء الإدارة الاقتصادية الجديدة في سوريا، هذه العقلية التي تدير الإدارة الجديدة في سوريا تتفوق على أكثر الاقتصاديين اليوم، أو على الأقل تسبقهم بخطوة، سواء اتقفنا مع هذه الإدارة أم اختلفنا، ولهذا خذ نفسًا عميقًا أيها القارئ، وتعلم كيف يدار الاقتصاد في أكثر الفترات استثنائية.
القرارات التي اتخذتها الإدارة الجديدة هدفها تمهيد الطريق أمام مئات المعامل والشركات السورية الموجودة في دول الجوار، للعودة إلى داخل الأراضي السورية، ودعوة المستثمرين الأجانب لإنشاء المعامل والشركات المستحدثة في سوريا، لتحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير الآلاف من فرص العمل للسوريين وبناء اقتصاد قومي متكامل
كثير من الناس يعتقدون أن قرارات الإدارة الجديدة في سوريا هي قرارات متسرعة وغير مدروسة، ولا تراعي حاضنة الثورة السورية، فمثلًا: الإدارة الجديدة قامت بتوحيد الرسوم الجمركية، وهو قرار لا يصب في مصلحة السوريين الآن، بل يثقل عليهم معيشتهم، فلماذا اتخذت هذه القرارات؟ ولماذا في هذه المرحلة؟
البعض جاء ليفسر ذلك، فقال إن القرار جاء لدعم المنتج المحلي.. ولكن، ألم يكن غريبًا – في الوقت نفسه- الأداء الضعيف للشركات المحلية؟ ولماذا تدعم الإدارة الجديدة في سوريا منتجًا محليًّا غير قادر بالأساس على التطور والمنافسة؟
والبعض قال إن الغرض من هذه الرسوم رفد خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، وهذا صحيح، ولكن هذه هي الأسباب البعيدة، لأن هذا الحل قد يستخدم كحل مؤقت، فالدخل الفردي يجب أن يتناسب مع الاقتصاد القومي، هذا يعني أنك بحاجة إلى مؤسسات اقتصادية، وشركات قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد المتوقف منذ أكثر من عقد من الزمن.
وهنا نأتي إلى السبب المباشر لهذه القرارات، وهو تمهيد الطريق بأسرع وقت، أمام مئات المعامل والشركات السورية الموجودة في دول الجوار، للعودة بمعاملها وعملها إلى داخل الأراضي السورية، ودعوة المغتربين السوريين والمستثمرين الأجانب لإنشاء المعامل والشركات المستحدثة في سوريا، والغاية هي تحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير الآلاف من فرص العمل للسوريين، وبالتالي بناء اقتصاد قومي متكامل.
لعل من يراقب الأخبار والأحداث اليومية في سوريا وما حولها، يعلم أنه وخلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، هناك شركات نقلت مركز عملها إلى سوريا، وهناك شركات كثيرة ستلحق بها قريبًا.
العقل الذي يدير الدولة اليوم في سوريا، يبدو أنه يعرف تمامًا كيف يدير الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة
لتفسير ذلك باختصار، فالمنتج السوري اليوم يدخل إلى سوريا برسوم جمركية، وإذا أراد التجار وأصحاب الشركات السورية في الخارج أن ينافسوا ببضائعهم محليًا، فليأتوا إلى سوريا، بل وقامت الإدارة الجديدة بتقديم الكثير من المزايا لجذب الاستثمارات إلى سوريا.
للاطلاع فقط، إليك القرار الذي صدر الأربعاء الماضي: "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، تقرر إعفاء خطوط الإنتاج والآلات من كل الرسوم الجمركية المقررة في التعريفة الجمركية النافذة".
وللمقاربة أيضًا، هناك تصريح صدر عن وزير الخارجية السوري قال فيه: لن نقبل أن تعيش سوريا على المساعدات، بل سنبني اقتصادًا متكاملًا، وستكون سنغافورة ورؤية المملكة العربية 2030 مثالين نستلهم بهما.
نعم، هذا العقل الذي يدير الدولة اليوم في سوريا، ويبدو أنه يعرف تمامًا كيف يدير الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.