واشنطن ونزع سلاح المقاومة: سلام أم هيمنة؟

يشكل "نزع سلاح حزب الله" مطلبا أساسيا لكل من إسرائيل والولايات المتحدة (مواقع التواصل)

في الآونة الأخيرة، أثار الكثير من الجدل قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح المقاومة اللبنانية، وتحديدا "حزب الله"، وهو قرار جاء بدفع مباشر من الحكومة الأميركية نفسها.

وهنا قد يتساءل البعض: كيف لدولة مستقلة ذات سيادة، مثل الجمهورية اللبنانية، أن يأتيها مسؤول من حكومة أجنبية من وراء البحار، غريب عن المنطقة، فيتدخل في شأنها الداخلي، بل ويلقي في قلب القصر الجمهوري اللبناني دروسا للصحفيين عن التحضر والمدنية، ويعد اللبنانيين بالرفاه والاستقرار الاقتصادي إذا هم تخلوا عن المقاومة؟ وبأي حق تخصص الولايات المتحدة مسؤولين في حكومتها للتدخل في شؤون المنطقة تحت مسميات مختلفة، مثل "المبعوث الأميركي للبنان وسوريا" أو غيرهما؟

إن هذا هو جوهر ما تسعى إليه السياسة الأميركية ونهجها الإمبريالي؛ فهي تريد أن تجعل من شعوب المنطقة وحكوماتها مجرد دمى خشبية، لا تمتلك أي إرادة مستقلة.

ويعتبر العديد من المتصهينين والمنجرفين في تيار العولمة والحداثة الغربية أن وصف هذه المحاولة الأميركية لنزع سلاح المقاومة بـ"الإمبريالية" مجرد لغة خشبية مستهلكة، غير أن ما نشهده في منطقتنا منذ عقود وحتى اليوم لا يخرج عن كونه سيطرة للدول الكبرى ـوعلى رأسها الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا وفرنساـ على شعوب أفريقيا وآسيا، من خلال المال والسلاح والسياسة.

عندما يدعو المبعوث الأميركي الدولة اللبنانية ـ باسم "السلام"ـ إلى التخلي عن المقاومة والتطبيع مع إسرائيل، فإن هذا هو عين الإمبريالية المتمثلة في شراء كرامة الشعوب بالمال

فعلى الصعيد السياسي، نرى أن هذه الأبوية الغربية تسعى إلى فرض نموذجها النيوليبرالي في السياسة والاقتصاد، وخلق "مواطنة سوقية" تقوم على حماية مصالح رؤوس الأموال والشركات الكبرى، وتسخير مؤسسات الدولة القُطرية كافة لذلك، مع تهميش مفهوم الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية، ونهب الموارد، وتجريد الشعوب من حقها الأصيل في المقاومة والتحرر من ربقة الإمبريالية.

إعلان

ومنذ زمن بعيد، كشف ماركس أن رأس المال لا يعرف حدودا، وأنه يتوسع دائما على حساب الشعوب، ثم جاء لينين ليبين أن الرأسمالية في مرحلتها العليا تتحول إلى إمبريالية متمثلة في قواعد عسكرية أجنبية؛ وهذا ما يفسر انتشار القواعد الأميركية في المنطقة انتشار الفطر.

واليوم، عندما يدعو المبعوث الأميركي الدولة اللبنانية ـ باسم "السلام"ـ إلى التخلي عن المقاومة والتطبيع مع إسرائيل، فإن هذا هو عين الإمبريالية المتمثلة في شراء كرامة الشعوب بالمال. وهذا يذكرنا بقول رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام: "إن التمويل من الدول الغربية والعربية أمر أساسي لتحقيق الاستقرار في لبنان، بعد أن خلفت الحرب بين إسرائيل وحزب الله العام الماضي مساحات واسعة من البلاد في حالة دمار".

وهكذا تحمل المقاومة وزر التقهقر الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان، مع التغاضي عن الفساد والنظام الطائفي المتفشي في البلد، فضلا عن الاحتلال الإسرائيلي ونهبه ثروات لبنان.

لا يمكن إنكار حقيقة أن المقاومة في منطقتنا تلعب الدور الأساسي في مواجهة مخططات الإمبريالية؛ فهي التي حررت الجنوب اللبناني من الاجتياح الإسرائيلي، وقصفت تل أبيب، وزعزعت الاستقرار داخل الكيان

ولا يمكننا قطعا أن نتجاهل الدور الذي تلعبه الإمبريالية وحلفاؤها في تأجيج النزعات الطائفية داخل حركات المقاومة، لتحويل الصراع السياسي والاجتماعي إلى صراع طائفي.

وهذه السياسة ليست جديدة؛ فقد أقيم النظام السياسي في لبنان على أسس طائفية وضعها الاستعمار الفرنسي، ولا شك أن عملاء أميركا وإسرائيل يسعون اليوم إلى جر النزاع السياسي نحو النزاع الطائفي عبر الاغتيالات المتكررة، وتحميل طائفة بعينها مسؤولية ما لحق بلبنان بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

إجمالا، لا يمكن إنكار حقيقة أن المقاومة في منطقتنا تلعب الدور الأساسي في مواجهة مخططات الإمبريالية؛ فهي التي حررت الجنوب اللبناني من الاجتياح الإسرائيلي، وقصفت تل أبيب.

كما يصعب إنكار أنها هي التي تحول دون توسع الإمبريالية أكثر، إذ تمكنت من تحقيق ما لم تحققه بعض الدول في صراعها مع إسرائيل.

واليوم، نجد أن الإمبريالية الغربية ـ من جهة ـ تبذل كل ما في وسعها من أجل خلق محيط عربي ضعيف، وتجريد الجيوش العربية من سلاحها، بهدف حماية الكيان الصهيوني من أي تهديد مستقبلي، والحفاظ على تفوقه العسكري في المنطقة، وهي ـ من جهة أخرى ـ تدعو إلى نزع سلاح المقاومة وتعد بإعادة تسليح الجيش اللبناني.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان