بارا السودان تحت النار مجددًا: نهاية وهم التحرير

المصدر: حساب Sudan News @Sudan_tweet على إكس القوات المسلحة من داخل مدينة بارا بولاية شمال كردفان الرابط: https://x.com/Sudan_tweet/status/1966123200380809299
الكاتبة: بارا اليوم مدينة منكوبة ومعزولة عن العالم تحت سيطرة مطلقة للرعب (مواقع التواصل)

في ركن قصيّ من خريطة السودان الموجوعة، حيث يُعاد تشكيل مأساة الوطن بمداد الدم والخذلان، ترزح مدينة بارا مجددا تحت ثقل البطش والقهر.

لم تكن ومضة الخلاص التي عاشتها المدينة سوى نفحة عابرة، سرعان ما تبددت بانسحاب قوات الجيش والقوات المساندة له، وعودة قوات الدعم السريع، ليتحول هذا الانسحاب إلى خنجر مسموم غُرس في ظهر المدينة وأهلها. لم تعد بارا مجرد مسرح للاشتباك، بل أصبحت ميدانا لانتقام ممنهج يُستهدف به كل صوت تجرّأ على التعبير عن بارقة أمل أو فرحة تحرير موهومة.
إن ما يجري عملية تصفية وحشية هدفها المواطنون الأبرياء، تتخذ من "الفرح" دليلا للإدانة وذريعة للعقاب.. فقصة صلاح وزوجته آمال شاهد دامغ على هذا الإجرام المخطط.

في مشهد يجسد أقصى درجات الوفاء الإنساني يبرز صمود عماد الماحي؛ الرجل الذي قاوم ويلات الاحتلال لأكثر من عامين برفضه مغادرة مدينته

كانت فرحة صلاح بانتهاء "أكثر من سنتين من القمع والإهانة" هي التهمة التي أودت بحياته؛ فالفيديو العفوي الذي وثق لحظة احتفاله بـ"التحرير" إلى جانب والي الولاية كان بمثابة حكم الإعدام.

قُتل صلاح بدم بارد، ثم تبعته زوجته آمال بطلقات الغدر، عقابا على آمال لم تكتمل، ليغرق الزوجان في بركة دماء، داعيَين ناقوس الخطر الأشد: أن التعبير عن الأمل بعودة الوطن أصبح في السودان جريمة عقوبتها الموت!

لم تتوقف دوامة الانتقام الدامية عند هذا الحد، بل امتدت لتطاول حرمة العزاء ووشائج الأخوة؛ فقد تحول تجمع المشيعين في عزاء نيازي المصباح إلى مجزرة، حين استهدفت القوات المحتشدين ليُقتل شقيقه نزار المصباح وعدد من الشبان، وتكتمل بذلك دائرة الموت وتوأد معها الإنسانية!

وفي مشهد يجسد أقصى درجات الوفاء الإنساني يبرز صمود عماد الماحي؛ الرجل الذي قاوم ويلات الاحتلال لأكثر من عامين برفضه مغادرة بيته ومدينته. عاد بعد أن همَّ بالفرار مع الموجة الأخيرة، ليؤدي واجبه الأخير نحو صديقه المقتول، محمد أمين.

إعلان

حاول عماد ورفاقه ستر ودفن جثمان صديقه أمام منزله، لكن محاولتهم قوبلت بوابل من الرصاص، بعد أن أعلنت القوات بمنتهى الوحشية: "لقد قتلناه ولا نريد دفنه"! سقط عماد قتيلا على الفور، وأُصيب ثلاثة شبان إصابات بالغة، ليظل مصيرهم مجهولا في ظل انقطاع سبل التواصل والإسعاف.

هذا البطش لم يكتفِ بسفك الدماء، بل تغلغل ليلامس أقصى درجات الإذلال والإهانة؛ فبعد قتل الشبان والأبناء أُجبرت النساء على الخروج مجردات من ثيابهن، في إهانة تفوق كل وصف. ومع هذا الغبن القاتل أسلمت باسمة مكي روحها، إذ أصابها ثوران غضب من هذا القهر والألم الذي تجاوز حدود الاحتمال.

إن إنقاذ أهل بارا مسؤولية جماعية تقع على عاتق المنظمات الإنسانية والحقوقية والمجتمع الدولي وحكماء السودان؛ يجب الضغط الفوري لوقف عمليات القتل والانتقام والنهب، وفتح ممرات آمنة عاجلة لتقديم الإغاثة

إن بارا اليوم مدينة منكوبة ومعزولة عن العالم، تحت سيطرة مطلقة للرعب.. لا ماء، ولا كهرباء، ولا شبكة اتصال، ولا إنترنت. هناك ضحايا وجرحى ينزفون ولا إسعاف ينقذهم، هناك أفراد مفقودون ومنهم أسر كاملة، وبعضها ما زالت هواتفه تُستخدم لابتزاز الأهالي واستدرار الأموال، في دليل مرعب على أن أصحابها ربما يكونون في قبضة هؤلاء المجرمين الخارجين عن كل قانون وعرف.

لقد دفع مواطنو بارا ثمنا باهظا ومستمرا، بدءا من الاحتلال الأول، ومرورا بـ"التحرير" المتوهم العابر، وصولا إلى الاحتلال الجديد. ومن هذه المأساة تنطلق صرخة استغاثة إنسانية من تحت الركام والدماء تنادي كل ضمير حي.

إن إنقاذ أهل بارا مسؤولية جماعية تقع على عاتق المنظمات الإنسانية والحقوقية والمجتمع الدولي وحكماء السودان؛ يجب الضغط الفوري لوقف عمليات القتل والانتقام والنهب، وفتح ممرات آمنة عاجلة لتقديم الإغاثة الطبية وإجلاء الجرحى والمدنيين، وضمان المحاسبة والمساءلة الفورية حتى لا يفلت مرتكبو هذه الجرائم البشعة من العقاب.. لا تتركوا بارا تموت.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان