شعار قسم مدونات

الإغاثة في سوريا.. واجبات واحتياجات

سوريا / ريف حلب/ آثار الدمار في بلدة الأتارب جراء قصف النظام السوري وروسيا/ عمر يوسف/ الجزيرة نت
دور العمل الإغاثي يجب ألا يقتصر على تقديم المساعدات الغذائية والدوائية فقط، بل أن يتعداه إلى مشاريع إعادة الإعمار (الجزيرة)

استيقظ العالم بأسره يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 على واقع جديد في سوريا، وتعالت أصوات أهازيج الفرح من حناجر السوريين، بل من قلوبهم.

وبرغم الفرحة العارمة والسعادة الغامرة، لا يخفى على المراقبين – خصوصًا في المجال الإغاثي والإنساني- أن السوريين يواجهون ظروفًا صعبة، ومعاناة إنسانية تتطلب تدخلًا عاجلًا لمواجهة آثارها المدمرة على المجتمع؛ فمع الانتقال إلى سوريا الجديدة ستكون هناك حاجة ملحّة، واعتماد على القطاع الإغاثي، فالإغاثة في سوريا ما زالت تشكل احتياجًا كبيرًا؛ بسبب الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها العديد من السوريين، فهناك حاجة ماسّة إلى دعم إغاثي طويل الأمد.

وتتضح جليًّا أهمية تفعيل دور المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية في توفير الدعم اللازم لسد الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وإعادة بناء سوريا بعد هذه السنوات الدامية، حيث حدث تدمير واسع للبنية التحتية في البلاد، بالإضافة إلى مقتل وجرح أعداد ضخمة من المدنيّين، مع تدفق ملايين النازحين والمهاجرين.

يجب على الجهات الحكومية والمحلية إنشاء جهة تختص بالتعامل مع الهيئات الإغاثية المحلية والدولية، وتيسير عملها، وتقديم التسهيلات من أجل خدمات إغاثية أفضل لأهل سوريا

  • إن الإغاثة في سوريا تتطلب التعاون بين الحكومة المؤقتة والحكومات الأخرى، والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، وتفعيل دور المجتمع الدولي لضمان تقديم الدعم بشكل فعّال وسريع.
  • وعلى الحكومة المؤقتة واجبات لدعم العمل الإغاثي وتيسير دوره، وتحسين البيئة الأمنية والسياسية، وتوفير الحماية والضمانات للعاملين في الإغاثة الإنسانية ومنع تعرضهم للأذى؛ فمع استمرار النزاع والصراع على النفوذ بين القوى المحلية والدولية، يمكن أن يكون الوصول إلى بعض المناطق الإغاثية محدودًا أو صعبًا للغاية.
  • كما ينبغي الاهتمام الشديد بتحسين الوضع الأمني: بحيث يمكن تقديم المزيد من الدعم للمناطق التي كان من الصعب الوصول إليها سابقًا. والنظام السياسي المعقد والمتعدد في سوريا، وخضوع المناطق لسيطرة أطراف مختلفة (حكومة، قوات كردية)، ذلك يجعل التنسيق والتوزيع الفعال للمساعدات تحديًا كبيرًا.
  • التغلب على التحديات اللوجيستية: تعاني مناطق عديدة من صعوبة الوصول إليها بسبب تدمير الطرق، أو بسبب مناطق الألغام المنتشرة، ما يجعل الوصول إلى المستفيدين أمرًا معقدًا.
  • مكافحة الفساد: إن استشراء الفساد في المؤسسات الحكومية والمجتمعات المحلية قد يؤثر على فاعلية توزيع المساعدات؛ حيث يتم تحويل بعض المساعدات إلى جهات غير مستحقة، أو يتم استغلالها لأغراض سياسية.
  • ويجب على الجهات الحكومية والمحلية إنشاء جهة تختص بالتعامل مع الهيئات الإغاثية المحلية والدولية، وتيسير عملها، وتقديم التسهيلات من أجل خدمات إغاثية أفضل لأهل سوريا، كما أن من اختصاصها متابعة وتقييم وتقويم الأعمال الإغاثية، كنوع من الرقابة الإيجابية التي تدفع العمل نحو جودة أفضل وبشفافية، دون أن تعيق سير المشاريع.
إعلان

لذا، فمن الضروري جدًّا إعداد البنية القانونية والتشريعية التي تخدم تلك الأهداف السابقة.

لقد أثر النزاع على السكان، فخلّف حتى الآن نصف مليون قتيل، وأكثر من مليون ونصف المليون جريح ومعاق، وأكثر من مئة ألف مفقود. وهذا يعني أننا أمام مئات الآلاف من الأيتام والأرامل والمعاقين، وهم في أشد الحاجة للدعم الإغاثي المادي، والدعم النفسي والاجتماعي، ما يوجب على الهيئات والمنظمات الإغاثية الدولية والمحلية البدء في إعداد وتنفيذ البرامج لهذه الفئات الضعيفة والهشة في المجتمع، وتشمل هذه البرامج الغذاء والدواء والماء، والإيواء والتعليم والحماية، والدعم النفسي والاجتماعي.

وتشير الإحصاءات الأممية والدولية إلى التأثير العميق للقتال المستمر على البنية التحتية للبلاد، وعلى سكان سوريا؛ فقد حدث تدمير واسع للبنية التحتية في العديد من المدن السورية، أبرزها حلب، وحمص، والرقة، ودير الزور، وإدلب.

تطوير عمل كثير من المنظمات السورية خلال العقد الماضي جعلها تتسم بالمهنية والاحترافية، ومراعاة المعايير العالمية في العمل الإنساني، وهذا يعطيها فرصة أكبر في تلافي أخطاء الماضي وإصلاح منظومة العمل

وفي عام 2017 قدرت الأمم المتحدة أن حوالي 60% من البنية التحتية في سوريا قد دمرت جزئيًّا أو كليًّا، ففي حلب وحدها تم تدمير أكثر من 50% من المباني، بينما في الرقة دُمر حوالي 80%من المدينة. وأصبح ملايين السوريين بلا مأوى يمكن أن يعود إليه النازحون واللاجئون.

تدمير المدن والأحياء أدى إلى خلق أزمة في السكن، ما يتطلب إعادة بناء المنازل والبنية التحتية بشكل عاجل، ودور العمل الإغاثي لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات الغذائية والدوائية، بل يجب أن يتعداه إلى مشاريع إعادة الإعمار، بما في ذلك إعادة بناء المرافق الصحية، والمنشآت التعليمية، والبنية التحتية العامة والمساكن، وقد تحتاج تلك المشاريع إلى مزيج من التمويل الدولي والحلول المحلية.

وهنا يجب أن نشير إلى دور المنظمات المحلية والتعاون الدولي؛ فمع التدهور المستمر في الوضع، أصبحت المنظمات المحلية السورية أكثر قدرة على الوصول إلى المناطق المتضررة، حيث تمتلك المعرفة الثقافية والجغرافية، كما أن تطوير عمل كثير من المنظمات السورية خلال العقد الماضي جعلها تتسم بالمهنية والاحترافية، ومراعاة المعايير العالمية في العمل الإنساني، وهذا يعطيها فرصة أكبر في تلافي أخطاء الماضي وإصلاح منظومة العمل. ولا يمكننا أن نتجاهل تسليط الضوء على أهمية تدريب ودعم هذه المنظمات في تلك الفترة الحرجة من عمر سوريا الجديدة.

إعلان

التعاون بين المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية أصبح أمرًا ضروريًّا لتنسيق الجهود وتوزيع المساعدات بشكل متوازن، وتبرز هنا أهمية بناء شبكات وتنسيقيات وشراكات تضمن الاستمرار، بهدف التوزيع العادل للمساعدات، وبناء المساكن ومشاريع الإيواء العاجل لجميع السكان، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك ملايين النازحين والمهاجرين، إذ يُقدر عدد النازحين داخليًّا في سوريا بحوالي 7 ملايين و100 ألف شخص حتى عام 2024، في حين تقدر أعداد اللاجئين السوريين خارج البلاد حتى عام 2024 بحوالي 6 ملايين و900 ألف سوري في دول الجوار: (تركيا، لبنان، الأردن، العراق).

كما توجَّه بعض السوريين إلى دول أخرى في أوروبا وأميركا الشمالية. وهذا يتطلب جهدًا جبارًا لإعادتهم إلى بيوتهم وأماكنهم، بعد توفر الحد الأدنى من الخدمات والاحتياجات الأساسية والأمن لهم، والإسراع في مشاريع الإيواء والإسكان العاجل.

علاوة على ذلك، هناك الملفّ الشائك والخاص بضحايا الاعتقال والاغتصاب والتعذيب بالسجون والمفقودين، وهناك أيضًا المهاجرون الذين عانوا في المخيمات لما يزيد عن عقد من الزمان ما يعرف بسيكولوجية المخيمات. وهذا يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الجهات الإغاثية والحقوقية التي تعنى بحقوق الإنسان والسلطات المحلية، من أجل التسريع بإنجاز تلك المشاريع، مع الوضع في الاعتبار ضرورة قيام الهيئات الإغاثية بمشاريع الدعم النفسي طويلة الأجل، والدمج الاجتماعي لهؤلاء الضحايا بعد تعافيهم من الكرب.

العمل الإغاثي في سوريا الجديدة قد يبدو معقدًا، ولكنه ليس مستحيلًا، ويجب أن تواصل المنظمات الإغاثية المحلية والدولية جهودها لمواجهة التحديات، مع إدراك أن كل تحدٍّ يقدم فرصة للتغيير الإيجابي

هناك العديد من التحديات أمام العاملين بالإغاثة، وأهمها:

  • القيود الأمنية: تزداد صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة؛ بسبب النزاع المستمر، أو القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية.
  • التمويل: يعاني العمل الإغاثي من نقص في التمويل؛ بسبب الوضع السياسي الدولي، ما يجعل تأمين الموارد اللازمة تحديًا كبيرًا.
  • التنسيق بين المنظمات: قد يكون التنسيق بين المنظمات الإنسانية المحلية والدولية صعبًا في بعض الأحيان، ما يؤثر على سرعة الاستجابة وكفاءتها.
  • ضرورة التعاون والتنسيق مع السلطات في سوريا الجديدة: حيث نأمل أن تعطي السلطات نموذجًا للعالم للتعاون بين الحكومات المحلية والمؤسسات العاملة في القطاع الإغاثي.
إعلان

إن العمل الإغاثي في سوريا الجديدة قد يبدو معقدًا، ولكنه ليس مستحيلًا، ويجب أن تواصل المنظمات الإغاثية المحلية والدولية جهودها لمواجهة التحديات، مع إدراك أن كل تحدٍّ يقدم فرصة للتغيير الإيجابي، وما زالت التحديات كبيرة؛ بسبب الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها العديد من السوريين، وتتطلب التعاون بين الحكومات والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لضمان تقديم الدعم بشكل فعّال وسريع للمتضررين.

وفي الختام، أقترح الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي عاجل في دمشق بحضور المنظمات المحلية والدولية والحكومة الانتقالية، لبحث آفاق وتحديات العمل الإغاثي في سوريا الجديدة.. فهذه دعوة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للمساهمة في بناء سوريا جديدة، قائمة على الاستقرار، والتنمية المستدامة، والمساواة بين جميع السوريين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان