شعار قسم مدونات

بإصلاح التعليم نستفيد من ثرواتنا

الدمج في التعليم بإدخال الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في نظام التعليم العام مع طلبة المدارس العاديين
يؤدي التعليم الجيد دورًا مهمًّا في بناء الدول وقد دعا كثيرٌ من الفلاسفة والمفكرين إلى ضرورة التركيز عليه (شترستوك)

إصلاح التعليم هو أحد المواضيع الحيوية التي تشغل اهتمام المجتمعات والحكومات حول العالم، نظرًا لأهميته في تشكيل مستقبل الأجيال القادمة وتنمية الدول.

التعليم يعدّ العمود الفقري لأي اقتصاد؛ فبجودة التعليم تتشكل قدرة الدول على الابتكار والإنتاجية والمنافسة في الاقتصاد العالمي. وتواجه أنظمة التعليم في العديد من البلدان تحديات كبيرة، تتطلب تدخلات إصلاحية جوهرية لتحسين الأداء وتحقيق نتائج أفضل.

يؤدي التعليم الجيد دورًا مهمًّا في بناء الدول، وقد دعا كثيرٌ من الفلاسفة والمفكرين إلى ضرورة التركيز عليه، يقول "أفلاطون": "التعليم واحد من أهم أعمدة الدولة الفاضلة، فالدولة لا يمكن أن تقوم بغير مواطنين صالحين، ولا سبيل إلى خلق المواطن الصالح إلا من خلال نظام تعليمي سديد". وكذلك الحال بالنسبة للفيلسوف الألماني "فيخته"، الذي يرى أن بناء الدول يعتمد على تعليم جيد للمواطن، فكلما اتسعت تربية الفرد وتعليمه، زاد احتمال إدراكه وفهمه لما له وما عليه.

استطاعت اليابان بناء نظام تعليمي متكامل يسهم في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر، والمساهمة في بناء مجتمع متطور ومزدهر

نجاح النّظام التّعليمي في اليابان

لقد استطاعت اليابان أن تقدم تجربة تعليمية جيدة أصبحت نموذجًا يحتذى به في الوطن العربي؛ فبعد القصف بالسلاح النووي، وما تعرضت له الدولة من المشاكل، رأى اليابانيون أن التعليم هو الحل للتغلب على الماضي، فاستثمروا فيه وأعدوا مناهج تعليمية قوية، وأدى التعليم دورًا مهمًّا في تثقيف الشعب، فاستفادوا من "ثروتهم" المتمثلة في العنصر البشري الذي يعد الرّكيزة الأساسية لنهضة الدول، أزالوا الفوارق التقليدية في المجتمع، وأصبحت الأولوية في المناصب للكفاءات لا للانتماء العائلي.

لقد حققت التجربة اليابانية في التعليم، نتائج مبهرة على مستوى الأداء الأكاديمي، حيث تصنف اليابان باستمرار ضمن أفضل الدول في هذا المجال، إذ ساهم التعليم الياباني في خلق مجتمع واعٍ ومتعلم، قادر على المنافسة في الاقتصاد العالمي، مع التمسك بالقيم والتقاليد الثقافية.

تعتبر التجربة اليابانية في التعليم نموذجًا يحتذى به للدول التي تسعى إلى تحسين أنظمتها التعليمية، من خلال التركيز على التعليم القيمي والتفاعلي، والتأكيد على أهمية الانضباط والابتكار؛ فقد استطاعت اليابان بناء نظام تعليمي متكامل يسهم في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر، والمساهمة في بناء مجتمع متطور ومزدهر.

وجود برامج تعليمية بدون أي رقابة يقود إلى تنوّع الاتجاهات، وإلى أزمات حادة داخل المجتمع، لذا من الضروري توحيد التعليم واعتماده على لغة واحدة ومناهج موحدة

التّغلب على الفوارق الاجتماعية

تشكل الفوارق الاقتصادية أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات، إلّا أنّ التعليم يمكن أن يؤدي دورًا محوريًا في تقليص هذه الفجوة، من خلال تزويد الأفراد من الطبقات الفقيرة بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها لدخول سوق العمل.

يساعد التّعليم على تحسين فرصهم الاقتصادية، إذ يخلق تأثيرًا مضاعفًا من شأنه أن يساهم في الحصول على حياة أفضل، ما يؤدي بدوره إلى تحسين الظروف الاقتصادية للأسر والمجتمعات ككلّ.

يعد التفاوت الاجتماعي أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحروب الأهلية والطائفية في البلدان العربية؛ بسبب اختلاف النّاس في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ويرى كثير من الباحثين أنّ التّعليم الجيّد هو الحلّ الأفضل للتغلّب على هذه الآفة، لكونه يضمن فرصًا تعليمية متساوية للجميع دون تمييز؛ فوحدة التّعليم تعد عاملًا أساسيًّا للحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز دعائمها، في حين يؤدي عدم توحيدها إلى تفكيك عرى التلاحم، ودعم فرص التمزُّق الوطني.

إنَّ وجود برامج تعليمية بدون أي رقابة يقود إلى تنوّع الاتجاهات، وإلى أزمات حادة داخل المجتمع، لذا من الضروري توحيد التعليم واعتماده على لغة واحدة ومناهج موحدة، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل اللغات الفرعية في الدولة، فيمكن أن يخصص لها ساعات تعلُّمية محدّدة لأبناء تلك الثقافات، ضمن الإطار المركزي للدولة.

يجب إعطاء أهمية كبيرة للتعلّم وخلق مبادرات نوعيّة وبرامج إستراتيجية مواكبة، وتوفير ظروف جيّدة للطاقم التعليمي لرفع مستوى التنمية في البلدان، والاستفادة من ثرواتنا

دور التّعليم في إصلاح ما أفسدته السياسة

إنّ السّياسات الفاسدة قد تستغل الجهل والتضليل لتحكم قبضتها على المجتمع، فيأتي التعليم ليؤدي دورًا مهمًّا في تعزيز التفكير النقدي، ومحاربة الخرافات والمفاهيم الخاطئة التي أنتجها السّيئون، ما يمكّن الأفراد من مقاومة الدعاية السياسية الكاذبة، والانخراط في عمليات ديمقراطية أكثر نضجًا ووعيًا.

فالخطابات السياسيّة الفاسدة قد تؤدي إلى الانقسام الاجتماعي، وخلق حالة من عدم الاستقرار، على خلاف ما للتعليم من دور في التّشجيع على التسامح والاحترام المتبادل بين مختلف فئات المجتمع، ما يساعد على إصلاح العلاقات الاجتماعية، وبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات، وإعداد قيادات ناجحة تمتلك القدرة على تقديم رؤى وأفكار إصلاحية جيدة، فالتّعليم يمكّن الأفراد من فهم حقوقهم وواجباتهم في المجتمع، ما يسهم في تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد.

رأى العديد من الفلاسفة مثل "جون لوك" و"جان جاك روسو" أنّ التّعليم هو وسيلة لبناء مجتمع عادل ومتوازن؛ فالتعليم في نظرهم هو رحلة نحو الحقيقة والمعرفة، ويجب إصلاحه لضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة، ويتطلب ذلك تعاونًا بين الحكومات، والمؤسسات التعليمية، والمعلمين، وأولياء الأمور؛ لتحقيق نظام تعليمي متكامل ومتطور، يساهم في تنمية المجتمعات وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، فهو الطريق الوحيد للنهوض من مستنقع الجهل والتخلف.

لذا، يجب إعطاء أهمية كبيرة للتعلّم وخلق مبادرات نوعيّة وبرامج إستراتيجية مواكبة، وتوفير ظروف جيّدة للطاقم التعليمي؛ لرفع مستوى التنمية في البلدان، والاستفادة من ثرواتنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان