شعار قسم مدونات

من سند الحديث إلى "البلوكتشين".. رحلة الثقة عبر العصور

Machine learning , artificial intelligence, ai, deep learning blockchain neural network concept. Brain made with shining wireframe above multiple blockchain cpu on circuit board 3d render.
هل يمكن الاستعانة بسلسلة الكتل في حفظ وتوثيق الحديث في الوقت الحاضر؟ (غيتي)

يعتبر علم الحديث من العلوم التي تفرّدت بها هذه الأمة على مرّ القرون الماضية ولا تزال، ويبنى هذا العلم على أسس ومفاهيم خاصة، ويعتبر السَّنَد – وهو جزء لا يتجزأ من علم الحديث -، من المفاهيم التي أبدعها علماء هذه الأمة؛ لغرض الحصول على الموثوقية والشفافية والدقة في نقل أحاديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم.

وبعد ما يزيد على 1200 سنة على ظهور علم سند الحديث أو سلسلة الرواة، ظهرت في السنوات القليلة الماضية تقنية جديدة تسمى البلوكتشين Blockchain أو سلسلة الكتل، وهي تقنية تقوم بتسجيل المعلومات بشكل آمن عبر شبكة الإنترنت عن طريق كتل (Blocks)، وتربط كل كتلة بالكتلة التي تسبقها، ما يشكل سلسلة متصلة بعضها مع بعض، ومن هنا جاء الاسم "بلوكتشين". وتُستخدم هذه التقنية بشكل رئيس في العملات الرقمية، لكنها في الوقت ذاته تمتلك تطبيقات واسعة في مختلف المجالات.

الهدف من سلسلة الرواة هو حفظ الأحاديث النبوية، بينما تهدف سلسلة الكتل إلى حفظ معلومات متنوعة، تشمل العملات الرقمية والعقود الذكية وسجلات الملكية وغيرها

لا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين سلسلة الرواة وسلسلة الكتل، من حيث الهدف العام لكل منهما؛ فهدف سلسلة الرواة هو حفظ سنة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وضمان صحة الأحاديث، بينما تهدف سلسلة الكتل إلى حفظ معلومات متنوعة لا ترتقي بأي شكل من الأشكال إلى سابقتها من حيث الهدف والمضمون. ومع ذلك، يمكننا استكشاف بعض التشابهات التقنية بينهما.

  • التسلسل والترابط: تعتمد كلتا السلسلتين على تسلسل دقيق، حيث يرتبط كل عنصر بالعنصر الذي يسبقه.. في سلسلة الرواة، كل راوٍ ينقل الحديث عن راوٍ قبله وصولًا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وفي سلسلة الكتل، كل كتلة جديدة من البيانات ترتبط بالكتلة التي تسبقها.
  • التوثيق والتدقيق: الهدف من كلتا السلسلتين هو التوثيق والتدقيق والتحقق من الصدق والوثوقية؛ في علم الحديث، يتم فحص كل راوٍ من حيث عدله وضبطه لضمان صحة الحديث؛ في البلوكتشين، تُستخدم تقنيات أمن المعلومات مثل الهاش؛ لضمان عدم التلاعب بالبيانات المسجلة.
  • الشفافية وعدم قابلية التغيير: تتميز كل من السلسلتين بالشفافية؛ حيث إن عناصرهما معلومة ومتاحة للجميع، ويمكن تتبعها والتحقق منها. بالإضافة إلى ذلك، فبمجرد تثبيت السلسلة وتوثيقها، تصبح غير قابلة للتعديل، ما يضمن ثبات المعلومات وسلامتها.

وعلى الرغم من هذه التشابهات التقنية، فإن هناك اختلافات جوهرية بينهما:

  • الهدف والمضمون: كما ذكرنا، الهدف من سلسلة الرواة هو حفظ الأحاديث النبوية، بينما تهدف سلسلة الكتل إلى حفظ معلومات متنوعة، تشمل العملات الرقمية والعقود الذكية وسجلات الملكية وغيرها.
  • آليات التحقق: في سلسلة الرواة، يتم التحقق من صحة الحديث من خلال فحص عدالة وضبط كل راوٍ، بينما في البلوكتشين تُستخدم تقنيات أمنية مثل التشفير؛ والهاش لضمان صحة البيانات وسلامتها.

يختلف علم الحديث وتقنية البلوكتشين في غاياتهما، فإن التشابهات التقنية بينهما تفتح أبوابًا للتفكير في كيفية الاستفادة من التقدم التقني في حفظ التراث الإسلامي

إمكانية استخدام البلوكتشين في حفظ وتوثيق الحديث

تطرح هذه التشابهات بعض الأسئلة المهمة حول إمكانية استخدام تقنية البلوكتشين في علم الحديث.. فهل يمكن الاستعانة بسلسلة الكتل في حفظ وتوثيق الحديث في الوقت الحاضر؟ هل يمكن استخدامها للتأكد من عدم تحريف الأحاديث على شبكة الإنترنت؟ وهل يمكن تطبيقها للتأكد من عدم وجود لبس في استبدال راوٍ مكان آخر أو خطأ في النص؟ هل يمكن تخزين الأحاديث في قاعدة بيانات آمنة وموزعة في أماكن مختلفة تضمن عدم التلاعب أو التحريف؟ الإجابة عن كل ذلك بـ"نعم"، فتقنية البلوكتشين تسمح بكل ذلك، لكننا نحتاج همة لدى المبرمجين كهمة رجال الحديث.

بينما يختلفُ علم الحديث وتقنية البلوكتشين في غاياتهما، فإن التشابهات التقنية بينهما تفتح أبوابًا للتفكير في كيفية الاستفادة من التقدم التقني في حفظ التراث الإسلامي.. يمكن لتقنيات مثل البلوكتشين أن تقدم أدوات جديدة للمساهمة في توثيق الحديث، ولكن الأمر يتطلب تعاونًا بين العلماء والمبرمجين لتطوير الحلول المناسبة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان