لعلنا نظلم السيد يحيى السنوار -رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والمهندس الأول لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي- حين نحصره بأدوار القائد العسكري والسياسي فقط، ففي حياته جانب يجهله كثيرون، ذلك الجانب الذي خدم فيه القضية الفلسطينية من جانب التأليف والترجمة، إذ له أربعة مؤلفات وأربعة كتب ترجمها من العبرية إلى العربية، بالإضافة إلى أنه شارك في أعمال مسرحية، حينما كان عضوًا بفرقة مسرحية خلال أيام شبابه.
في تجربة السجن الثالثة -بعدما تعلم اللغة العبرية- بدأ في متابعة الإعلام العبري من داخل السجن، ودرس كثيرًا من الدراسات الأمنية التي كان يصدرها ضباط الأجهزة الأمنية والسياسيون في إسرائيل، وترجم بعض الكتابات منها
كانت البداية حين درس بكلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة ليحصل على درجة البكالوريوس، دراسة الأدب (أحد علوم اللغة العربية)، وهذا كان له تأثير كبير على السنوار.
تقول المؤلفة الأميركية ديزي هيل عن فوائد دراسة الأدب في مقالٍ لها بعنوان "لماذا ندرس الأدب؟": "يساعدنا الأدب على التأمل في التجربة الإنسانية، ويعلمنا عن هويتنا والعالم الذي نعيش فيه. إنه يقدم مجموعة من المشاعر، من الحب إلى الغضب إلى الحزن إلى السعادة، إنه يمنحنا نظرة ثاقبة وسياقًا حول المعايير المجتمعية والتقاليد الثقافية. إنه يستكشف تاريخنا وحاضرنا، إنه يتخيل مستقبلنا، إنه يقدم لنا طرقًا جديدة للتفكير والعيش، ما يدفعنا إلى التفكير بشكل نقدي وإبداعي حول تجاربنا الخاصة."
من دراسة الأدب امتلك السنوار النظرة الثاقبة، وتأمل في العالم الذي يعيشه في السجن، إذ اعتبر السنوار السجن حياة مصغرة لمجتمع الاحتلال.. في تجربة السجن الثالثة -بعدما تعلم اللغة العبرية- بدأ في متابعة الإعلام العبري من داخل السجن، ودرس كثيرًا من الدراسات الأمنية التي كان يصدرها ضباط الأجهزة الأمنية والسياسيون في إسرائيل، وترجم بعض الكتابات منها.
أحد الكتب التي ترجمها أيضًا كان كتاب "الأحزاب الإسرائيلية"، الذي صدر عام 1992، وهذا الكتاب يتحدث عن اختلاف التيارات السياسية ممثلة في الأحزاب، ما جعله ذا بصيرة بشأن تطور الاختلافات بين الأحزاب، والصراعات الداخلية بين تلك التيارات.
يوفال بيتون، الطبيب وضابط المخابرات السابق في السجن، وأحد عناصر الفريق الذي عالج يحيى السنوار في سجنه، إذ كان السنوار وقتها يعاني من سكتة دماغية، يقول: "أخبرني السنوار بوضوح في عام 2004 أنهم سيكونون على استعداد للتوقيع على هدنة لمدة 20 عامًا، لأن دولة إسرائيل حاليًّا دولة قوية، لكنه أخبرني أيضًا أنه خلال 20 عامًا، يتوقع أننا سنضعف؛ بسبب الصراعات الداخلية بيننا داخل المجتمع الإسرائيلي، وبمجرد أن يدركوا أننا ضعفاء، سيهاجموننا."
لا يأتي ذكر مؤلفات السنوار إلا ويأتي ذكر أشهر مؤلفاته على الإطلاق، رواية "الشوك والقرنفل" التي تناول من خلالها تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة الأولى
من ضمن الترجمات أيضًا كتابان لرئيس جهاز الشاباك السابق كارمي غيلون، هما "الشاباك بين الانقسامات" و "الشاباك بين الأشلاء"، وقد دخلوا عليه في الزنزانة في إحدى المرات ووجدوه يترجم كتابين، كان أحدهما أحد كتابي كارمي غيلون حتى يتعرف الأسرى على جهاز الشاباك بشكل أكبر، ويقوم هو أيضًا بدراسة الأجهزة الأمنية لإسرائيل بشكل موسع وعميق.
أما الآخر فكان كتاب "القادم لقتلك استبق واقتله" لمؤلفه يعقوب بيري، الذي كان رئيسًا لجهاز الشاباك من العام الذي اعتقل فيه السنوار للمرة الثالثة حتى عام 1995، وهذا الكتاب كان مذكرات للمؤلف عن فترته في جهاز الشاباك.
هذه كانت خدمته للقضية الفلسطينية من خلال عمله كمترجم للدراسات الأمنية العبرية، أما خدمته للقضية الفلسطينية من خلال التأليف فكانت منحى آخر لا يقل مهارة عن ترجماته.
لا يأتي ذكر مؤلفات السنوار إلا ويأتي ذكر أشهر مؤلفاته على الإطلاق، رواية "الشوك والقرنفل" التي تناول من خلالها تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة الأولى، حيث يقول في مقدمتها: "هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، على الرغم من أن جميع أحداثها حقيقية؛ كل حدث منها، أو كل مجموعة من أحداث، تخص هذا الفلسطيني أو ذاك.. الخيال في هذا العمل هو فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين، ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي عشته، وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه- هم وأهلهم وجيرانهم- على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة".
وللسنوار أيضًا مؤلف آخر هو عبارة عن سرد لعملية الأسير المحرر أشرف البعلوجي، التي كانت في مدينة يافا المحتلة، حيث يُعتبر الكتاب جهدًا في توثيق سردية لإحدى عمليات المقاومة، وتحدث في أحد الفصول عن دور الشيخ أحمد ياسين معهم، حيث يصفه في الكتاب قائلًا: "أستاذ الفرسان ومربيهم ورائدهم ورمزهم، ومفجر الفروسية في صدورهم، والبطولة في أفعالهم، والحماس في أرواحهم، والتطلع إلى المجد في أعماقهم الذي دفعهم فعله الأسطورة؛ لأن يطاردوا الموت ويراودوه عن نفسه".
في مطلع الثمانينيات، تأسست فرقة فن إسلامي بمسقط رأسه (خان يونس) على يد مجموعة من الشباب، كان أحدهم يحيى السنوار، وكان ذلك بإيعازٍ من الشيخ أحمد ياسين، واختاروا "العائدون" اسمًا لفرقتهم المسرحية
من كتابات السنوار أيضًا كان كتاب "المجد"، وهو دراسة لعمل جهاز الشاباك، حيث يشرح كيفية عمل جهاز "الشاباك" في جمع المعلومات، وكيفية الضغط لشراء ولاءات الناس الذين يتم تجنيدهم فيما بعد ليكونوا عملاء له، وكيفية نزع المعلومات من الأسرى من خلال أساليب وطرق وحشية وخبيثة من كل النواحي، سواء نفسية أو جسدية.
وهذا التأليف جاء نتيجة أنه في فترة من الفترات كان نشطًا في جهاز الأمن داخل حركة حماس بتوجيهٍ من الشيخ أحمد ياسين، حيث كان مطلوبًا من السنوار العمل لكشف عملاء الاحتلال داخل غزة.. وبالمناسبة، كان اسم جهاز كشف العملاء "مجد"، وجاء الكتاب بعد ذلك وحمل الاسم نفسه.
مما كتبه السنوار أيضًا دراسة نقدية عن حركة حماس بعنوان "حماس: التجربة والخطأ"، وهذه الدراسة ساعدته فيما بعد حين تولى رئاسة الحركة داخل غزة في العام 2017، حيث استطاع بعد تولّيه رئاسة حركة حماس في غزة أن يعيد ترتيب الحركة من الداخل، وتنظيمها، وتشكيل العلاقة بين الجناح العسكري والمكتب السياسي.
هذه كانت تأثيراته ككاتب ومؤلف ومترجم، أما عن تأثيره كفنان فلم يكن أقل من ذلك.
في مطلع الثمانينيات، تأسست فرقة فن إسلامي بمسقط رأسه (خان يونس) على يد مجموعة من الشباب، كان أحدهم يحيى السنوار، وكان ذلك بإيعازٍ من الشيخ أحمد ياسين، واختاروا "العائدون" اسمًا لفرقتهم المسرحية، وكان أحد أعضاء هذه الفرقة المسرحية محمد دياب المصري، المُكنى بأبي خالد والمشهور باسم "محمد الضيف"، القائد العام الحالي لكتائب القسام.
حاولنا الحديث عن جانب مجهول من حياة أحد قادة المقاومة الفلسطينية، وهو الذي تولى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في ظرف صعب، يحيى السنوار الذي قال يومًا في حواره لإحدى الجرائد الإيطالية: "كانت غزة جميلة، وهي اليوم جميلة أيضًا.. أرأيتِ كم أن شبابنا رائعون؟ هل رأيتِ مواهبهم؟ وإلى أي درجة هم مبدعون ومنفتحون على العالم؟".
السنوار -مثله مثل شباب غزة- له مواهب أخرى بعيدة عن الحرب والسياسة، لكن هذا هو قدره، وتلك البوتقة التي تم وضعه فيها بسبب عالم يطلب من الضحية التنازل لصالح الجلاد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.