شعار قسم مدونات

الدولة الثيوقراطية وتعدُّد صورها

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة لجنود الجيش في محور فيلادلفيا منصة اكس - @netanyahu
الصراع في جوهره يدور حول إنشاء دولة دينية يهودية (مواقع التواصل)

إن بعض المصطلحات في الغرب تعرضت للتشويه والتحريف، مثل مصطلح "الدولة الثيوقراطية". فإذا سألنا أحدًا: "ما هي الدولة الثيوقراطية؟" فإن أغلب الناس في لندن وباريس وبرلين سوف يجيبون: "إنها أولئك المقاتلون الملتحون، الذين يحملون بنادق الكلاشنيكوف ويحاولون فرض دولتهم الثيوقراطية".

وفي فرانكفورت، نجد أن بعض المكتبات تحتوي على أقسام يستخدم فيها المؤلفون انتقاد الدول الثيوقراطية لإخفاء عنصريتهم ضد الإسلام. وفي هذا الصدد، فإن مصطلحات مثل "الإسلام السياسي" أو "الشريعة" أو "الدولة الثيوقراطية" تستخدم بسرعة في البرلمان الألماني وبرلمانات الولايات الألمانية، وكأن الحكم الديني (الدولة الثيوقراطية) لا يمكن أن يتوافق مع القيم العلمانية التي يقدّسها الغرب. ومن المفارقات أنه في هذه الأماكن التي تناضل من أجل علمنة المجتمع، نرى حقيقةً أعلام إسرائيل ترفرف عاليًا.

من المثير للدهشة أنه على الرغم من أن الوثائقي كان جاهزًا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإنه لم يُبثّ إلا بعد شهور من ذلك! لماذا؟ لأنه مثير للجدل.. لو تم عرضه في الأيام الأولى بعد طوفان الأقصى، لربما تراجع الدعم الغربي لإسرائيل

اسأل أي ألماني مثقف عما يرسخ في ذهنه بشأن إسرائيل، وسيجيب على الأرجح: "إنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". والأكثر من ذلك، أن العديد من الغربيين لا يدركون أن حكوماتهم تدعم إسرائيل بدافع مماثل لذلك الذي ينسبه تنظيم الدولة الإسلامية لأفعاله. الفرق الوحيد هو أن جهة تتحدث العربية وتستشهد بالقرآن، بينما تتحدث الأخرى الإنجليزية أو العبرية، وترتدي البذلات وتستشهد بالكتاب المقدس.. وهذا لا ينطبق فقط على المسلمين، بل يمتد أيضًا إلى المسيحيين واليهود.

إعلان

وثائقي جديد من التلفزيون الألماني العام يتناول هذه الظاهرة، ومن المثير للدهشة أنه على الرغم من أن الوثائقي كان جاهزًا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإنه لم يُبثّ إلا بعد شهور من ذلك! لماذا؟ لأنه مثير للجدل.. لو تم عرضه في الأيام الأولى بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لربما تراجع الدعم الغربي لإسرائيل، ما كان سيؤدي إلى مفاوضات سلام أسرع وعدد أقلّ للضحايا.

أعتقد أن صانعي الفيلم أرادوا القول إن هناك حقائق حساسة للغاية، لا يتم التحدث عنها إلا في أوقات معينة، حتى في الديمقراطيات. لم يكن الجمهور مستعدًّا للتعامل مع هذا الوثائقي إلا بعد أن أصبحت أفعال إسرائيل أكثر خطورة.. ولكن لماذا؟

يبدو أن الحديث عن هذا الموضوع خطير! كل من حاول التحدث بهذه الطريقة في ألمانيا كان مهددًا بفقدان وظيفته والاتهام بمعاداة السامية حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن، في الواقع، أليس الإسرائيليون من بين الديمقراطيين الصالحين؟

لكنْ، في أماكن أخرى من الغرب تغيرت وجهات النظر، أصبح السياسيون الإسرائيليون الآن يتحدثون علنًا عن دولة ثيوقراطية، وتحالفها من أجل "إسرائيل الكبرى" بناءً على نبوءات الكتاب المقدس. وعندما يتحدث نتنياهو عن عماليق، فإنه يعني ذلك  بجدية.

من المرجح أن تندلع حرب عالمية ثالثة دينية، وسوف تكون هذه المواجهة مدمرة إلى الحد الذي قد يدفعنا إلى قصف أنفسنا بالقنابل لنعود إلى العصر الحجري، كما قال ألبرت أينشتاين ذات يوم

هل هذا معقد؟ كلا. إن الصراع في جوهره يدور حول إنشاء دولة دينية يهودية، تمامًا كما يطمح بعض المسيحيين الأميركيين إلى إنشاء دولة دينية لأنفسهم.. في الأساس هو الدافع نفسه في زمن صلاح الدين الأيوبي.

يشكل هؤلاء المسيحيون الأصوليون حوالي 26% من سكان الولايات المتحدة ويمتلكون نفوذًا كبيرًا في واشنطن. من المنطقي أن البيت الأبيض يلبي احتياجاتهم بشكل كبير، إنهم يبشرون بأن حربًا عالمية ثالثةً ستشعل عودة المسيح وإقامة "إسرائيل الكبرى".. ما يثير الدهشة هو أن المسيحيين واليهود، الذين لم يكونوا يومًا على الصفحة نفسها، يتلاعب الآن بعضهم ببعض لتحقيق مصالحهم المشتركة.

إعلان

ولكن من الذي كان يجرؤ -على الأقل حتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول- على التعبير عن مثل هذه الأفكار علنًا؟ لم يكن أحد يجرؤ على ذلك، لأن العواقب المترتبة على مثل هذا الخطاب العلني في ألمانيا كانت وخيمة بكل تأكيد.

ومع ذلك، فقد أصبح هناك الآن فيلم وثائقي متعمق متاح على قناة آرتي، وهي قناة بث فرنسية ألمانية، يروي بالتفصيل التحالف السياسي بين الإنجيليين والأصوليين اليهود. ويعرض الفيلم بشكل واضح كيف تتحد هذه الحركات معًا لتحقيق إسرائيل الكبرى، وفي نهاية المطاف تحلّ الحرب العالمية الثالثة، وكل هذا في مصلحة رؤيتهم اللاهوتية المختلفة.. هذا أمر مزعج للغاية.

وفي الوقت نفسه، استحوذ الإسلام السياسي على مساحة كبيرة، لدرجة أن الدول الدينية الحقيقية بدأت في الظهور بهدوء تحت ستار من التعقيد. من المرجّح أن تندلع حرب عالمية ثالثة دينية، وسوف تكون هذه المواجهة مدمرة إلى الحد الذي قد يدفعنا إلى قصف أنفسنا بالقنابل لنعود إلى العصر الحجري، كما قال ألبرت أينشتاين ذات يوم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان