شعار قسم مدونات

فقاعة التنمية!

عاطف دغلس-توصف قلقيلية بأنها مدينة حدودية مع فلسطين المحتلة عام 1948 وملاصقة لها تماما- الصورة تظهر مدينة قلقيلية وبالخلف الداخلي المحتل - الضفة الغربية- قلقيلية- الجزيرة نت8
شواهد الزمان والتاريخ تشير إلى أن كثيرًا من حالات النجاح قد سجلت اسمها في التاريخ من قلب المحن والنوازل (الجزيرة)

رؤوسنا صُدعت في السنوات العشرين الأخيرة، ونحن نستمع في كل خطابات الساسة والمنظرين والإعلاميين ونشطاء التواصل الاجتماعي عن التنمية، والتنمية المستدامة، وبرامج المشروعات الصغيرة والكبيرة والمتوسطة. وبين ما تراه عيوننا في واقعنا العربي عمومًا، وبين ما يطرحونه، فرق شاسع يذكرني بقول الشاعر قديمًا: وكل يدعي وصلًا بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاكا.

إن صناعة التنمية الفعلية في المجتمع ليست شعارًا يُرفع هنا أو هناك، وليست أغنية تتردد على ألسنة المنظرين والراغبين في الشهرة مهما كانت تسمياتهم. فالتنمية الحقيقية الفاعلة تعني أن المجتمع كله ينصهر في حالة وعي؛ لينتقل من حالة الاستسلام والخضوع إلى حالة العطاء والإنتاجية، على مستوى الفكر والثقافة والتطبيق على حدّ سواء.

أظن أن قيام كل طالب جامعي بمشروع واحد فقط لتنمية ذاته في بيئة كبيئتنا الفلسطينية، يعني وجود أكثر من ربع مليون مبادرة تنموية فردية، وهذا معناه طفرة في حجم وشكل وأثر هذه المبادرات على المجتمع برمته

إن دراستي في مجال الهندسة قد وضعتني على أول طريق جديد؛ في رؤية الأشياء والتفاعل معها، وكيفية إدارة الأزمات وتحديد الأولويات، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن الهيكلية الهندسية لأي مشروع تنموي هي أساس تحقيقه على الأرض بشكل عملي.

لقد شاركتُ في العديد من اللقاءات والحوارات وورشات العمل حول مفاهيم التخطيط، ولكنني لمست أن الفجوة الحقيقية تكمن في وجود العقلية القادرة على جعل الأحلام واقعًا، من خلال نقل الأفكار المبعثرة إلى الورق، وهندستها وتنظيمها وترتيبها لتكون منطلقًا لخطة حقيقية، قد تستهدف فردًا أو أسرة أو مجتمعًا بكامله.

إعلان

ربما هي دعوة لي ولزملائي من طلبة الجامعات، الذين هم ثروة المجتمع الحقيقية، لأن نكون السبّاقين والمبادرين لإطلاق هذه الروح الجديدة في المجتمع، بدءًا بالمستوى الفردي، مرورًا بالبيئة الاجتماعية، ووصولًا إلى المجتمع برمته، لنكون نحن بالفعل رواد التغيير المنشود وصناع البناء في هذا المجتمع، الذي يتوق لنماذج النجاح وحالات الريادة، ليخرج من حالة الصمت الكئيب التي يفرضها واقع الأزمات وبيئة الضغط التي لا تنتهي.

لا شك أن هذه الرسالة، برغم كونها موجهة إلى طلبة الجامعات بالدرجة الأولى، فإنها تمسّ صلب رسالة عمل جهات أخرى في المجتمع، كالوزارات والدوائر الرسمية وملتقيات رجال وسيدات الأعمال، والمؤسسات الأهلية غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني بالدرجة ذاتها؛ فالتنمية رسالة مجتمعية، إذا لم ينخرط فيها المجتمع فلن تؤتي ثمارها أبدًا.

أظن أن قيام كل طالب جامعي بمشروع واحد فقط لتنمية ذاته في بيئة كبيئتنا الفلسطينية، يعني وجود أكثر من ربع مليون مبادرة تنموية فردية، وهذا معناه طفرة في حجم وشكل وأثر هذه المبادرات على المجتمع برمته، فكيف بنا لو تكاتفت الجهود بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية لتحقيق مشاريع أقوى وأوسع؟

كلي ثقة بأن الظروف الضاغطة التي تعيشها فلسطين هذه الأيام ستجعل الجيل الجديد يصطدم بمسؤولياته بشكل مباشر، وفي كل محنة منحة، فلربما كانت حالة الضغط الاقتصادي والسياسي والنفسي على هذا الجيل هي النقطة الفاصلة في تحقيق صحوته

إن ما أدعو إليه اليوم هو عبارة عن شرارة الانطلاق، وتعليق الجرس، لتحدث حالة الالتفات والانتباه المجتمعي إلى إمكانية التخطيط لهذه المشروعات التنموية ونجاحها وديمومتها، والانتقال بعدها إلى العناقيد الإنتاجية، التي تتوسع كتوسع حركة الأمواج في بحيرة هادئة إذا أُلقي فيها حجر.

ربما تعيننا هنا دراسة بعض التجارب الناجحة عالميًا، في ماليزيا وإندونيسيا والنرويج وتركيا، وحتى في بعض الدول العربية المجاورة؛ فبعض هذه المبادرات نجح بهمّة فردية، وبعضها الآخر تم؛ لأن هذه المجتمعات آمنت بشبابها، وأتاحت لهم الفرص الحقيقية ليأخذوا دورهم في المجتمع بكل ثبات وإصرار.

إعلان

كلي ثقة بأن الظروف الضاغطة التي تعيشها فلسطين هذه الأيام ستجعل الجيل الجديد يصطدم بمسؤولياته بشكل مباشر، وفي كل محنة منحة، فلربما كانت حالة الضغط الاقتصادي والسياسي والنفسي على هذا الجيل هي النقطة الفاصلة في تحقيق صحوته من كل ركود، وتوثب همته نحو مستقبل أكثر إنتاجية.. فشواهد الزمان ودروب التاريخ وسنن الكون تشير جميعًا إلى أن كثيرًا من حالات النجاح قد سجلت اسمها في التاريخ في قلب المحن والنوازل، واستطاعت أن تخترق جدار الصمت بمبادرات إيجابية تنموية، فغيرت شكل مجتمعاتها بشكل عملي لا نظري، ولعل ألف أسد تنتظر زئير أسد واحد ليوقظها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان