مضى عامان على صمود الرئيس الكيني وليام روتو بعد انتخابات 2022، وهي فترة لم تخلُ من تحركات احتجاجية قادتها المعارضة مشككة في نزاهة الانتخابات، وقد عرفت بعض المسيرات الغاضبة فيها أعمال عنف وسقوط عشرات الضحايا.
بدا لي روتو – حين وصلتُ كينيا خلال سبتمبر/ أيلول 2022 – رئيسًا يتقد حيوية وحماسًا، ويحمل صفات القائد الوطني الطموح، المؤهل لدفع بلده نحو مزيد من التطور الاقتصادي، وتصدُّر القارة السمراء في مؤشرات النمو. لكن خبرته في إدارة الحكم التي اكتسبها خلال سنواتٍ تحمَّل خلالها مسؤوليات عديدة، آخرها منصب نائب الرئيس السابق أوهورو كينياتا، لم تكن على ما يبدو كافية لتجنيبه المزالق والمطبات.
تعاظم سخط الجماهير وتجاوز الموقف السياسي للمعارضة ليشمل قواعد عريضة من فئات فقيرة ومستعبدة، أنهكتها زيادات الأسعار وغلاء المعيشة وتداعيات الجفاف
سريعًا توسع هامش الرفض ليجاوز حدود الجبهة البرتقالية بقيادة رايلا أودينغا، ولم أسمع مرة واحدة خلال نحو سنتين من يمدح الرئيس وسياساته؛ بل تكاد تلمس إجماعًا على إدانة جشعه، وحمايته مصالح فئة قليلة من الأثرياء، واستعداده للتضحية بأرواح الآلاف لضمان استمراره في الحكم.
وتوسع البون بين الصورة المشرقة للرئيس المنتخب، المناصر لقضايا كينيا وأفريقيا، والمدافع عن دول الجنوب إزاء تحديات التخلف وتغير المناخ، وهو ما ترجمه الحضور والالتفاف الدولي حول روتو ومبادراته في قمة أفريقيا العالمية للمناطق، والجمعية السادسة للأمم المتحدة للبيئة، اللتين استضافتهما نيروبي خلال الأشهر المنقضية، وبين الوجه البغيض الذي بدا لأعين قطاع واسع من الكينيين. فقد ظل سخط الجماهير يتعاظم، وتجاوز الموقف السياسي للمعارضة وثنائية كوانزا واليمين حدوده الأولى، ليشمل قواعد عريضة من فئات فقيرة ومستعبدة، أنهكتها زيادات الأسعار وغلاء المعيشة وتداعيات الجفاف.
ما لمسته خلال عودتي لنيروبي مؤخرًا يشبه توافقًا على كلمة سواء، هي المطالبة برحيل الرئيس.. ولم تعد تنازلات الرئيس- ومنها سحب قانونه الأخير، وإقالته لجل أعضاء الحكومة – كافية على ما يبدو لمواجهة السخط الذي تعاظم مع اكتشاف مقابر جماعية قرب مراكز للشرطة، ما يدعم مواقف من يذهبون إلى القول إن النظام مستعد للتضحية بالشعب لضمان استمراره. والشباب – وهم القوة الرئيسية في المجتمع – ضاقوا ذرعًا بسياسات يرون أنها لا تحقق مطامحهم، لذلك قرروا التحرك بدءًا من السادس عشر من يوليو/ تموز للإطاحة بحكم روتو.. ولكن مقابل أي بديل؟
في بلد يبدو فيه التفاوت الطبقي صارخًا، ويتعاظم الفرق بين متوسط الأجر وبين الرواتب العالية للسياسيين وأعضاء البرلمان، جددت المعارضة مواصلة التعامل مع نظامٍ تعهد رئيسه بدعم مرشحه لرئاسة الاتحاد الأفريقي للفترة القادمة.
مع توالي ساعات الترقب، وانتظار موعد انطلاق الموجة الجديدة من الاحتجاجات، تُحبس الأنفاس خشية وقوع المزيد من الخسائر في الممتلكات والأرواح
ففي فترة عرف فيها الشيلينغ (العملة المحلية) نوعًا من التعافي أمام الدولار، تتصاعد الصرخات المنادية بالتخلي عن الإجراءات الوقتية والترقيعية، واعتماد خطط عملية تقود لإصلاح الوضع الاقتصادي، وقطع الطريق أمام الفساد المستشري في دواليب الدولة، والذي تُتّهم إدارة روتو بدعمه من خلال تعيينات بالمحاباة لعدد من المتورطين في ملفات فساد.
ما يتردد على ألسن الشباب الكيني، المعروف بتعلقه بالتجديد التكنولوجي والرقمنة وإنشاء مؤسسات اقتصادية متجددة، يؤكد وجود تناقضات صارخة بين المقول والمعلن سياسيًا، وبين أوضاع معيشية صعبة، وواقع يسد آفاق التطور والصعود أمام طاقات فتية ترنو للتغيير، وتحلم ببناء مستقبل أفضل؛ وتتضافر النداءات والتصريحات لتؤكد نوعًا من الإرادة الجمعية لإسقاط النظام ودعوة رئيسه للرحيل.
ومع توالي ساعات الترقب، وانتظار موعد انطلاق الموجة الجديدة من الاحتجاجات (الماندامانو)، تُحبس الأنفاس خشية وقوع المزيد من الخسائر في الممتلكات والأرواح، رغم تعهد قيادات الحراك بالطابع السلمي للتحركات.
وفيما تؤكد المعارضة رفضها عرض الحوار مع الرئيس لتقاسم السلطة، يجدد الشباب ومكونات الحراك الاحتجاجي العزم على مواصلة التصعيد والاحتجاج إلى آخر مدى، حتى تحقيق كافة المطالب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.