شعار قسم مدونات

المواصي: لا مكانَ آمنًا

المواصي تبقى محطة فارقة أكدت أن لا مكان آمنًا في غزة (وكالة الأناضول)

تقول إحدى الناجيات ممن نجوا بحكم القدر المحض لا الأسباب، إن المكان كان ساكنًا للغاية، هادئا حتى بصورة "غير طبيعية" ثم..، انفجارات بلا سابق إنذار، لا تستغرب، عزيزي القارئ؛ أن تحدثك سيدة من غزة عن تفاصيل كصاروخ الاستطلاع، أو الانفجارات، فهذا أمر أصبح لكل أهل غزة مألوفًا معروفًا، يعرفه القاصي منهم والداني، فالكل في مرمى نيران لا تعرف التفريق، بل ربما تتقصد أصلًا عدم التفريق، تريد تدمير مجتمع كامل وحياة بأسرها.

المواصي قيل: إنها آمنة، وما حيلة المرعوب الخائف إلا اللجوء لما يقال: إنه آمن، لكن ينتهي الأمر بالموت أيضًا، لعبة مخيفة، يمنحك عدوك أمنيتك بساعات قليلة من الأمن، من الطمأنينة، من التنفس بلا لهاث، من رؤيتك صغارك يجلسون هادئين، ولكن يفاجئك بقصف مباغت، والكل يموت إلا من كان مقدورًا له الحياةُ والنجاة.

الغزي اليوم يقاتل بكل الطرق، بالسلاح وبالفيديو، وبالتحريض، وبكشف ما يجري، ومع المواصي أصبح الموقف مختلفًا أكثر من ذي قبل، تعقدت الأمور تمامًا ما الذي سيوقف الفلسطيني سوى التحرير؟

المواصي درس آخر في أن المحتل لا يبالي، لا يهتم لشيء، ولا يوقفه شيء، وفي المقابل يدرك أن أمامه خيارات عدمية، فكيف سيقصم ظهر المقاومة؟ تصريحات جنرالاته تقول: إن المقاومة لا تزال حية نابضة، يا للذكاء، وما المتوقع؟ هل تعتقدون أن من خسر كل شيء سيوقفه شيء عن المقاومة..؟

حتى مَن لا يحبون المقاومة، أو من يؤثرون السلامة، حتى أولئك اللطفاء ممن يرغبون في حياة بلا بارود أو دماء، ربما يفكرون مليًا في أن خيارهم القديم كان سلبيًا، وأن عليهم فعل شيء ما بأي شكل، لم يعد هناك سقف للحياة، فقد انخفض السقف مع المواصي لحدّه الأدنى، فصار الموت وشيكًا، واستوت الخيارات.

إعلان

ولهذا فالغزي اليوم يقاتل بكل الطرق، بالسلاح وبالفيديو، وبالتحريض، وبكشف ما يجري، ومع المواصي أصبح الموقف مختلفًا أكثر من ذي قبل، تعقدت الأمور تمامًا ما الذي سيوقف الفلسطيني سوى التحرير؟

إنها المغالطة الإسرائيلية القديمة: اقتل أكثر كي تهزمهم، في حين أنك تدرك أنك تبعث عوامل ثأر إضافية في النفوس، وحين لا يعود للضحية ما تخسره، فلا شيء يوقفها عن الهجوم، وهنا مكمن الخطورة على إسرائيل.

المواصي جزء من سلسلة طويلة بدأت مع بداية الانتداب البريطاني نفسه، ووعد بلفور، وقد لا تنتهي السلسلة قريبًا لكن من المؤكد أن نهايتها زيتون وغار ومجد في دنيانا ستراه الأجيال المقبلة، وما عند الله خير وأبقى


المواصي ضربة جديدة للفكرة القديمة التي بنيت عليها إسرائيل، فالكذبة الأولى أن فلسطين بلا شعب سقطت، وأنَّ الكبار يموتون والصغار ينسون، لم يحدث هذا، وتدحرجت القضية واحتلت إسرائيل الضفة وغزة، واحتضنت تحت سلطتها ملايين الغاضبين الرافضين، وهذه هي النتيجة.

مستنقع تغرق فيه إسرائيل علمت أو لم تعلم، وما بعد المواصي قد يكون مختلفًا أو تواصلًا للسردية ذاتها من الدم والنار وإرادة المقاومة، ولكن المواصي تبقى محطة فارقة أكدت أن لا مكان آمنًا في غزة، ولا موضع للحياة فيها ما دام الاحتلال قائمًا.

عالميًا سيضيف هذا عبئًا على إسرائيل قد لا تهتم به الآن ولكن، حتى متى؟ فالأجيال تتغير، والجامعات تتحرك، وفرنسا وأوروبا لم تعد كما كانت من قبلُ، وهنا مكمن التغيّر الأبرز، فما صنعته غزة هذه المرّة سيغير الموازين، ويعدلّ محور العالم حقًا.

المواصي جزء من سلسلة طويلة بدأت مع بداية الانتداب البريطاني نفسه، ووعد بلفور، وقد لا تنتهي السلسلة قريبًا لكن من المؤكد أن نهايتها زيتون وغار ومجد في دنيانا ستراه الأجيال المقبلة، وما عند الله خير وأبقى.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان