شعار قسم مدونات

عن الطوفان ومجرى القضية!

خرج محتجون في إسطنبول وولاية بورصة التركيتين، ولفكوشا، عاصمة جمهورية شمال قبرص التركية، في مظاهرات تندد بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. في إسطنبول، خرج متظاهرون في منطقة بنديك، على الشق الآسيوي من المدينة، منددين بالهجمات والمجازر الإسرائيلية على غزة. ( Erhan Elaldı - وكالة الأناضول )
العقل الجمعي التركي مرتبط بفلسطين ومتعاطف معها، بغض النظر عن تناقضات المجتمع السياسي التركي (وكالة الأناضول)

تراودني أسئلة كثيرة بعد اندلاع الحرب على غزة، ولم أجد أجوبة لها، كأن رحلة الإجابة توقفت لحظتها، فإنَّ عظمة الحدث في 7 أكتوبر تجاوزت كلّ المعايير والمقاييس، وكيفية النظر إلى القضية ومآلاتها.. ربما كان من المبكر أن نجد تلك الأجوبة، وإن وجدناها فهي أجوبة مؤقتة، سرعان ما تذهب لتحضر أجوبة أخرى مكانها.

ما جرى بعد الطوفان كان كاشفا لكلّ مستتر، بقي لعقود طويلة حبيس الادعاءات الكاذبة؛ فسلسلة طويلة من تلك الادعاءات تساقطت وسقط معها كل من تناقلوها، فلا قيمة للإنسان الفلسطيني في كلّ أجندات الدول الغربية، أمام سعادة وبقاء دولة الكيان، درّة التاج الغربي.

في كل مرة أزور صالون الحلاقة، يحضّر الحلاق أسئلة جديدة، كان آخرها سؤالًا مبهمًا بالنسبة له، ويتعلق بما يريده العدو من هذه الحرب، فأجبته: يريد منا الاستسلام المطلق ورفع الراية البيضاء!

في المقابل، عادت فلسطين ومقاومتها في وعي أنصارها التقليديين والجدد أكثر وضوحا، بعد أن تلونت وتبدلت لعقود طويلة، فقد عادت بأجوبة تؤكّد طبيعة الحق الفلسطيني الذي لا يقبل القسمة، فلسطين من النهر إلى البحر حرّة.

وأنا الفلسطينيّ المقيم منذ سنوات في إسطنبول، كانت الأسئلة التي أتلقاها دومًا من المضيفين الأتراك قبل الطوفان أسئلةً عامة، صحيحٌ أنها كانت تحمل في طياتها التضامن الواضح والصريح والعلنيّ مع قضيتي، لكنْ زادت عليها بعد الطوفان أسئلة جديدة، تذهب نحو التفاصيل التي – حسب ظنهم- لا تتناقلها وسائل الإعلام.

إعلان

وفي لقاءٍ مع جارٍ لي في البناية التي أقطنها، يعرض عليّ أي خدمة يراها ضرورية، وكأني في وسط المعركة.

والحلاق الذي أذهب إليه كذلك، يسألني عن فلسطين، ويحاول الاطمئنان على حال المقاومة، ففي كل مرة أزور صالون الحلاقة، يحضّر أسئلة جديدة، كان آخرها سؤالًا مبهمًا بالنسبة له، ويتعلق بما يريده العدو من هذه الحرب، فأجبته: يريد منا الاستسلام المطلق ورفع الراية البيضاء! فارتسمت الدهشة على وجهه من إجابتي، ثُمّ حوّلها إلى سؤال آخر: وهل أنتم جاهزون؟ وبدون تردد أجبته، وربما كان الجواب مقدّما لي، قبل أن يقدم له: "نحن عاجزون عن الاستسلام".. وكأنّ الجواب أعجبه، ولكنّه عاد من جديد ليسأل: إلى متى؟ إلى متى؟ قلت: إلى ما شاء الله.

الأتراك على العموم يشعرون بالفخر بالمقاومة وشعبها، وقد كانوا أَكثر فخرا بقطع العلاقات التي تجمعهم قسرًا مع دولة الاحتلال، بالأخصّ العلاقات الاقتصاديَّة

وأمَّا صاحب الفرن القريب مني، والذي ألتقيه كُلّ بضعة أيام، وعلى الرغم من انتمائه السياسي لأحد أحزاب المعارضة التركيّة التي تتبنى الروايات الغربية عن الحرب والطوفان، فإنَّه متضامن مع قضية فلسطين وأهلها، رغم بعض الملاحظات التي تتعلّق بأدوات المقاومة.

وفي كل اللقاءات والحوارات التي تجري معي، من قِبل الإخوة الأتراك، يشعر المرء أن القضية الفلسطينية محفورة في وجدانهم، قبل أن تكون شعارات سياسية، فالعقل الجمعي التركي مرتبط بفلسطين ومتعاطف معها، بغض النظر عن تناقضات المجتمع السياسي التركي، ففلسطين محيّدة تماما عن تلك التناقضات، والأتراك على العموم يشعرون بالفخر بالمقاومة وشعبها، وقد كانوا أَكثر فخرا بقطع العلاقات التي تجمعهم قسرًا مع دولة الاحتلال، بالأخصّ العلاقات الاقتصاديَّة، فقد تلاقى الخطاب الرسمي معهم وتأكدوا أن مواقفهم من القضية ليست مواقف عاطفية، بل مواقف تمثّل مصالحهم وانتماءهم للمنطقة والقضية.

في كلّ ما جرى، وجدت أجوبتي، التي بدأت تظهر رويدا رويدا.. فلسطين باقية ما بقي الدهر.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان