في الـ11 من أكتوبر حدث ما لم يكن بحسبان نازية العصر، وفاشيته، ولا بأوتاده التي يتوتد ويتمدد بها فيما ليس له ولا يملك حتى ما يماثله؛ إنما الشتات مستقره وميعاده حتما.
الذي حدث أنزل الارتباك، وإياه الفزع بقلوب الذين اعتدوا، جعل الكل بلا استثناء يعيد حسابه بدء برأس الأفعى وما يقف خلفها من عوالم ظالمة، إلى الأوتاد الواهنة، الجبناء، المتقاعسين، وحتى أصحاب المبادئ الذي هم عرضة لتحرشات الكسل بين الفينة والأخرى، الكل في الكل بفضل هذا الطوفان المجيد اهتز كيانه فأعاد حسابه.
ما كان غصة خانقة في حلق الكيان وما أرق، ويؤرق مزاجه تلك المدينة الفاضلة فما كان منه إلا أن أسدى الأوامر بمحاصرتها حصار يُعيد ذاكرة التاريخ، فتحركت الحثالة بالأمر تحاصر الشامخة فكانت أول خطوة المحاصرة المعنوية
قبل التقاء عقارب ساعة يوم 11 من أكتوبر كان يظن الكيان أن الأمر قد استقر له، واستتب لجبروته، فالعنان قد أطلق لأوتاده؛ لتتحرك فيما يشرعن وجوده بين الأمة الإسلامية، وغيرها من الأمم، وفيما يوسع رقعته الاستعمارية، فرأينا محور الشر يخطط ويدبر، والأطم أنه أصبح يتفوه الانبطاح بصوت عال لا قيم ولا وازع يردع.
ما كان غصة خانقة في حلق الكيان وما أرق، ويؤرق مزاجه تلك المدينة الفاضلة فما كان منه إلا أن أسدى الأوامر بمحاصرتها حصار يُعيد ذاكرة التاريخ، فتحركت الحثالة بالأمر تحاصر الشامخة فكانت أول خطوة: المحاصرة المعنوية وهي أنها بدأت من عالم الأفكار جعلت كل من يرى فلسطين حق، وتستحق الدفاع، الدعم باطل يستحق المجابهة والجلاء، دخيل صاحب فكر متطرف، إرهابي يضرب السلم العام يجب عزله عن كل ساحات التأثير والظهور، أما الخطوة الثانية المحاصرة: المادية حيث أقدمت على قطع أي مدد قوة يمكن أن يصل إليها فأقامت المناطق المائية لتسيج بها هذه المدينة ظنا منها أن ذلك فيه ما يكبل قواها الإيمانية العقائدية .
ساحت هذه الأوتاد وفق خطط لتعلن للعالم الإسلامي أن هذا الكيان صاحب أرض فكان مما بدأت به أن أطلقت عمائم سوء تدعي أنها صاحبة دعوة ربانية، وفهم حقيقي للإسلام، وأنشأت هذه الأخيرة تحت مكانة الدين تدعو بطرق مختلفة إلى التهادن والتصالح مع هذا الكيان النازي، تعقد المؤتمرات، وتستدعي الفتاوى الباطلة من باطن التراث، وتلوي أعناق النصوص لتستحلى فكرة المصالحة مع هذا الكيان ويتم التطبيع الذي لا يعني إلا البقاء الأبدي، والتسليم الأزلي، والإقبال التوسعي.
استند محور الخطر في تحركاته المخططة على عمود الاقتصاد، وما أدراك ما الاقتصاد لدول نهبها الفقر نهبا، فكان الاقتصاد الكتف التي يؤكل منها البعض، وتحت قهر الاقتصاد والفقر سقطت رايات في الوحل النتن ومدت الأيادي للمصافحة الآثمة، وفي سبيله أيضا صرفت أموال بجود حاتم الطائي، وبسخاء منقطع النظير، فعلت تسهيلات لكل من يضع يده في يد قاتل الأبرياء ومنتزع الديّار، ويقر بأحقيته بالبقاء ضمن الحياة الفلسطينية العتيقة.
تحزبت دول، قاطع بعضها بعضا، واستعمل في ذلك الكثير من الوسائل من بينها الإعلام الذي ظل ينادي بأن التطبيع سياسة وعقل وأن العالم الثالث ماض فيه مضي الزمان؛ حتى شاهد القاصي والداني تساقط الأوراق الفصلية بشبه خريف وما هو بخريف؛ لأن هناك صنوبريات لا تعرف الفصول إنما الدوام بشموخ، فقررت في ذلك اليوم الأسطوري أن تبرز بشموخ وتدوي بما يزعزع النفوس، ويذكر بالأصول. فكان بمقدمات وتخطيط واستشراف طوفان من حيث لا يدرون جارف بتلك الأرض المقدسة، جعل الجرذان تجر الأذيال، انقلبت الموازين، فزع الجمع وانتكس؛ إنه يوم اختاره التاريخ للخلود الأبدي بفطنة وشجاعة أشاوس زحف طوفان الأقصى فجرف معه قلوب منها ما أصابها بشديد الهلع ومنها ما وبخها بالدونية وطبع عليها الإهانة إلى يوم الدين، ومنها ما أزال عنها غشاوة الاستكانة والكسل، ومنها ما زادها إيمانا ووقارا.
الطوفان صحيح حدث هناك بتلك الأرض المقدسة، بيد أنه جعل القلوب على كل أديم حر من الأرض، تنبض بشعاع الحرية والحياة، دب فيها الأمل من جديد وبدأت عصبية الحق تتشكل من جديد
في حقيقة الأمر إن هذا الطوفان جعل الكل يعيد حسابه بما في ذلك هذا الكيان الذي ظن أنه تحكم وأن الخطوة القادمة هي التمدد، لكن لأبطال الأنفاق المتحدثين الرسميين باسم الأمة ما يقولون وسيقولون ومما قالوا إن أوصلوا رسالة مفادها: لا استقرار لهذا الكيان الغاصب في أرض فلسطين الأبية من النهر إلى البحر، وإن العودة آتية، وإخراجه من الأرض ماهي إلا مسألة وقت فحسب.
الطوفان صحيح حدث هناك بتلك الأرض المقدسة، بيد أنه جعل القلوب على كل أديم حر من الأرض، تنبض بشعاع الحرية والحياة، دب فيها الأمل من جديد وبدأت عصبية الحق تتشكل من جديد فرأينا صواريخ حزب الله في لبنان تدك ثكنات هذا الكيان على مدار بياض وسواد اليوم، كذلك اليمن السعيد ها هو بنخوته يذكرنا بحديث يبدو أن الأمة شطبته من تراثها " المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وبقية أحرار العالم كجنوب أفريقيا وغيرها من أحرار العالم.
وأخيرا لدعاة الراية البيضاء، إسرائيل ليست الاستعمار الفرنسي ولا البريطاني ولا الإيطالي؛ الاستعمارات التي دخلت مستعمراتها وبين ثنايا ورقها التخطيطي فكرة المغادرة لو تعذرت المصلحة، أو جوبهت بمواجهة عنيفة، هذا كيان جاء وأصل خطته الاستيطان، والتشريد، والبقاء للأبد، لا أرض له، فعله قبل نيته أخذ الأرض؛ لذا يا دعاة الانبطاح والاستسلام من يعتقد أنه بالإمكان الحوار أو التهادن مع هذا الكيان فهو كمن يسقي الإسمنت بالماء ظنا منه أن ذلك ينفع في اقتلاعه في حين أنه لا يعني إلا متانة صلابته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.