شعار قسم مدونات

الدرس المستخلص من سقوط الأسد!

سقوط حمص في يد الثوار السوريين كان المسمار الأخير في نعش نظام الأسد
ما يحدث في سوريا يمثل درسًا جديدًا لما تبقى من الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة التي تستمر في قمع شعوبها ونهب ثرواتها (رويترز)

رؤية الدمشقيين يبتهجون بسقوط نظام بشار الأسد في العاصمة السورية ومناطق أخرى من البلاد تُثلج صدور كثيرين حول العالم العربي، الذين يعيشون تحت وطأة الدكتاتورية منذ عقود.

ولكن، ألم نشاهدها من قبل في العراق وشاهدناها في ليبيا؟ وبالتالي، أيحمل سقوط الأسد مستقبلًا أفضل لسوريا، أم إنه بداية لمخاطر جديدة تهدد ليس سوريا فقط، بل المنطقة بأسرها؟

التاريخ في الشرق الأوسط مليء بالعبر؛ فقد شهدنا سقوط أنظمة صدام حسين، وعلي عبدالله صالح، ومعمر القذافي، والبشير في السودان.. ولكن النتائج جاءت كارثية على الشعوب أكثر من الأنظمة نفسها.

أستنجح سوريا في بناء نظام مستقر، أم إنها ستنضم إلى قائمة الدول التي تعاني من التفكك، كما حدث في العراق واليمن وليبيا؟ إن سقوط النظام لا يعني بالضرورة نجاح الثورة

مخاطر الفراغ السياسي

في 2017، أوضح الباحث الأميركي مونتي جي مارشال في بحثه "العنف، الانتشار، والتفكك في الشرق الأوسط" أن التدخلات الأجنبية غالبًا ما تستغل الفراغ السياسي الذي يتركه سقوط الأنظمة.

التدخلات العسكرية – سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم فصائل محلية- تزيد من تعقيد المشهد، إلا أننا في حال سوريا نعلم بأن هناك أكثر من جهة تدخلت في خلق الفوضى هناك منذ 2011، وتقاسمت حصصها من سوريا، ومازالت قابعة هناك.

كان الصراع بين النظام والجماعات المسلحة المدعومة من هذه القوى الغربية والإقليمية، مثل الولايات المتحدة وتركيا وإيران، قد جُمد لفترة، ولكنه عاد ليطفو على السطح مع تقدمٍ أذهل العالم من حلب مرورًا بحمص إلى إسقاط النظام في العاصمة دمشق. لكن ماذا بعد؟

إعلان

الاعتماد على الغرب

أستنجح سوريا في بناء نظام مستقر، أم إنها ستنضم إلى قائمة الدول التي تعاني من التفكك، كما حدث في العراق واليمن وليبيا؟ إن سقوط النظام لا يعني بالضرورة نجاح الثورة.

في العراق، أدى غياب المؤسسات إلى انهيار الدولة وتحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات الطائفية، ومداخيل النفط لا يرى منها العراقيون سوى الفتات.

في اليمن، أصبح البلد رهينة للقوى الإقليمية والدولية، خاصة إيران التي تستعمل الحوثيين لتحقيق مشروعها الطائفي في المنطقة. وفي ليبيا، تحولت البلاد إلى دويلات مليشيات.. التحدي الأكبر أمام سوريا – كما كان في تلك الدول – هو بناء مؤسسات قوية قادرة على استيعاب التنوع السكاني وتحقيق الاستقرار.

هذا يتطلب وجود نخب واعية قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية، لكن الواقع يشير إلى غياب هذه النخب، وضعف البنية المؤسسية في معظم الدول العربية.

إن بناء المؤسسات القوية ليس مشروعًا قصير الأمد، إنه عملية تحتاج إلى إرادة سياسية مستقلة، استثمارات ضخمة في التعليم، ونشر ثقافة المواطنة والديمقراطية.. المجتمعات العربية تحتاج إلى نخب جديدة تحمل رؤية واضحة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لكن الواقع يقول إن الطريق لا يزال طويلًا جدًّا، وربما أكثر تعقيدًا مما يتخيله البعض.

إن سقوط الأسد قد يكون بداية لفرحة عابرة، لكنه ليس نهاية الطريق.. ما ينتظر سوريا والمنطقة هو اختبار صعب يتطلب وعيًا سياسيًّا، وبناء مؤسسات قوية، وقبل كل شيء تجاوز التبعية للقوى الخارجية

الدرس المستخلص

وفي الواقع، إن ما يحدث في سوريا يمثل درسًا جديدًا لما تبقى من الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، التي تستمر في قمع شعوبها ونهب ثرواتها دون أي اعتبار لمطالب الإصلاح والعدالة؛ فالأنظمة التي تعتمد على القمع والاستبداد كوسيلة للبقاء لا تدرك أنها تزرع بذور سقوطها بنفسها، حيث تفقد شرعيتها داخليًّا، ما يتيح الفرصة لقوى داخلية وخارجية لاستغلال الوضع وتحويله إلى أداة لتحقيق أجنداتها.

وكما أشار مارشال، فإن تجاهل المطالب الشعبية، واستمرار القمع يفتحان الباب أمام التدخلات الأجنبية، ويؤديان إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

إعلان

إن سقوط الأسد قد يكون بداية لفرحة عابرة، لكنه ليس نهاية الطريق.. ما ينتظر سوريا والمنطقة هو اختبار صعب يتطلب وعيًا سياسيًّا، وبناء مؤسسات قوية، وقبل كل شيء تجاوز التبعية للقوى الخارجية، التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب استقرار الشعوب.

والسؤال الذي يجب أن يُطرح بجرأة: هل نحن جاهزون لهذه الرحلة الطويلة؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان