شعار قسم مدونات

وسقط طاغية الشام

FRANCE - JULY 12: Lebanese President Michel Sleiman, Qatari Emir Hamad Bin Khalifa Al Thani, French President Nicolas Sarkozy And Syrian President Bashar Al-Assad Attend A Press Conference At The Elysee Palace On The Eve Of Paris, In Paris, France On July 12, 2008 - Lebanese president Michel Sleiman, Qatari Emir Hamad Bin Khalifa Al Thani, French president Nicolas Sarkozy and Syrian President Bashar Al-Assad attend a press conference at the Elysee Palace on July 12, 2008 in Paris, on the eve of the Paris summit of the Mediterranean countries - Leaders from some 40 countries -- rich and poor, foes and friends -- meet in Paris on Sunday to launch the Union for the Mediterranean, a flagship project of Nicolas Sarkozy. (Photo by Pool BENAINOUS/HOUNSFIELD/Gamma-Rapho via Getty Images)
الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (غيتي)

يعتبر القرن الرابع الهجري قرن انتشار نفوذ الباطنيين وتمكنهم في عدد من البلاد الإسلامية، لا سيما بغداد مركز الخلافة العباسية، فقد حكم خلاله القرامطةُ هجر (الأحساء والبحرين) وما حولها، منذ عام 286 هـ وحتى إسقاطهم على يد العباسيين عام 375 هـ، وحكم البويهيون بغداد وفارس وما حولها منذ عام 334 هـ وحتى إسقاطهم على يد السلاجقة عام 447 هـ، وحكم العبيديون بلاد المغرب الإسلامي ومصر منذ عام 298 هـ وحتى إسقاطهم على يد صلاح الدين الأيوبي عام 567 هـ.

يعتبر نظام الأسد، الذي حكم سوريا بشكل رسمي منذ عام 1970 وحتى عام 2024 امتدادًا عقائديًّا لهؤلاء الباطنيين، حكم خلال ذلك الأب حافظ الأسد مدة 30 عامًا، ثم ابنه بشار 24 عامًا

الباطنية: مصطلح أطلق في التاريخ الإسلامي على عدة فرق تزعم أن للنصوص الدينية باطنًا وظاهرًا، وأن المراد منها هو الباطن الذي لا يفهمه إلا القلة المختارة من الناس، تقليدًا لما عليه المجوسية وبعض الديانات الشرقية الأخرى، وكان من أبرز تلك الفرق عبر التاريخ الإسلامي الإسماعيلية، والقرامطة، والعبيديون، والنزارية، والنصيرية، وغيرهما.

وقد عاث هؤلاء الباطنيون فسادًا وقتلًا في بلاد المسلمين في الجزيرة العربية، وفي الشام، والعراق، ومصر، وفارس وغيرها من البلاد، وكان من أعظم فسادهم أن أوقع القرامطة بحجاج بيت الله الحرام مذبحة كبيرة عام 317 هـ، وانتزعوا الحجر الأسود من الكعبة، وأخذوه إلى بلادهم هجر، وظل عندهم قرابة 22 عامًا، وبعد مفاوضات قامت بينهم وبين الخليفة العباسي لإعادته؛ وضعوه في الكوفة فأعاده المسلمون إلى مكانه في الكعبة عام 339 هـ.

إعلان

ثم أقدم أحد الباطنية من العبيديين في موسم حج عام 413 هـ على ضرب الحجر الأسود بمطرقة محاولًا انتزاعه، فكسر منه جانبًا، وكان من ورائه حامية من الجند العبيديين يريدون أخذه معهم إلى مصر، ولكن الحجاج حالوا دون ذلك وقتلوه، وبددوا الحامية العبيدية.

هذا بالإضافة إلى اغتيال هؤلاء الباطنيين لكثير من القادة والعلماء، وارتكاب المجازر الكثيرة بحق المسلمين، لا سيما القادمين للحج من طريق العراق، ونشر البدع والخرافات في بلاد المسلمين، في العراق ومصر وغيرهما، ولكن إجرامهم ذاك وظلمهم لا يقارن بإجرام النظام الذي حكم سوريا 54 عامًا أو يزيد.

يعتبر نظام الأسد، الذي حكم سوريا بشكل رسمي منذ عام 1970 وحتى عام 2024 امتدادًا عقائديًّا لهؤلاء الباطنيين، حكم خلال ذلك الأب حافظ الأسد مدة 30 عامًا، ثم ابنه بشار مدة 24 عامًا.

سقط النظام في سوريا في 8/12/2024، بعد اندلاع ثورة شعبية ضده في 18/3/2011، راح ضحيتها نحو مليون شخص، واعتُقل خلالها مئات الآلاف من الناس، وهُجّر الملايين منهم إلى أصقاع الدنيا

قام نظام الأسد على العقيدة نفسها التي تعامل بها الباطنيون قديمًا مع المسلمين، ولكن هذا النظام الباطني رغم قصر مدة حكمه مقارنة بالدويلات الباطنية قديمًا، قد أذاق المسلمين في سوريا ولبنان على امتداد 54 عامًا شتى أنواع الظلم والقتل، وعاث في سوريا خرابًا وفسادًا، وطال ظلمه الحجر والبشر.

فقد سلَّم حافظ الأسد الجولان السوري لإسرائيل عام 1967 عندما كان وزيرًا للدفاع، ثم بعد توليه الحكم ارتكب أبشع المجازر بحق السوريين والفلسطينيين في كلٍّ من سوريا ولبنان، وكان من أعظم تلك المجازر مذبحة حماة عام 1982، التي راح ضحيتها أكثر من 40 ألفًا من أهلها.

وبعد أن تولى ابنه بشار الأسد حكم سوريا فتح أبوابها لإيران على مصراعيها لنشر التشيع فيها، إضافة لسرقة هذا النظام ثروات البلاد، وتبديد خيراتها، واعتقال صفوة أهلها، وقتل مئات الآلاف منهم تحت التعذيب، وتهجير من لم يقدر عليه منهم، ولم يترك هذا النظام سوريا ويرحل عنها إلا بعد أن ترك البلد دمارًا وخرابًا.

إعلان

ويكفي دلالةً على تفوق ذلك النظام في الإجرام على أسلافه الباطنيين؛ ما شاهده العالم بعد إسقاطه من أهوال السجون التي كان يقبع بها آلاف المعتقلين من الأطفال والنساء والرجال، كسجن صيدنايا، وسجن المزة العسكري، وسجن تدمر، وسجن حلب المركزي، وسجن السويداء، وغيرها الكثير من السجون التي وُجِد بداخلها معتقلون منذ 50 عامًا!

سقط النظام في سوريا في 8/12/2024، بعد اندلاع ثورة شعبية ضده في 18/3/2011، راح ضحيتها نحو مليون شخص، واعتُقل خلالها مئات الآلاف من الناس، وهُجّر الملايين منهم إلى أصقاع الدنيا، حتى لم يبقَ بلد في العالم إلا ووصله السوريون الفارون من حكم نظام الأسد، وبسقوطه عمّت الفرحة أحرار العالم كله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان