شعار قسم مدونات

كيف عبر الساروت عن قصة سوريا؟

عبد الباسط الساروت.. أيقونة الثورة السورية ومنشدها وشهيدها
عبدالباسط الساروت أيقونة الثورة السورية ومنشدها وشهيدها (الجزيرة)

عبدالباسط ممدوح الساروت هو ذلك الشاب البسيط، الذي ارتبط في أذهان السوريين وأحرار العالم بالشجاعة وأحلام الحرية أمام الظلم والاستبداد، فتى انتقل من ملاعب الكرة إلى شوارع المظاهرات، إلى ميادين القتال.

الآن ونحن نتذكره في يوم ميلاده، تحقق ما خرج للتظاهر من أجله في 2011، ولكن بعد وفاته، الآن وقد سقط النظام السوري وسيتنفس السوريون أنفاس الحرية ويعانقون الحلم الذي ناضلوا من أجله أكثر من ثلاثة عشر عامًا، نتأمل في تحولات الساروت التي كانت خيرَ مثالٍ وخير معبّر عن الشباب السوري، منذ بداية عهد حافظ الأسد، دخولًا بعهد خلفه بشار، ثم تحولات الثورة السورية وقت سلميتها، ثم الاتجاه للنضال المسلح ثم استشهاده.

وُلد عبدالباسط الساروت في يناير/ كانون الثاني من العام 1992 في حي البياضة بمدينة حمص، تلك الفترة التي نشأ فيها عبدالباسط في تسعينيات القرن الماضي -آخر عقود أعوام حافظ الأسد- كانت سوريا عبارة عن ثكنة عسكرية

قبل أن ندخل في قصة عبدالباسط الساروت، سنرجع قليلًا إلى الوراء في تاريخ حقبة حزب البعث، وبالتحديد وقت أن سيطر حزب البعث على مقاليد الحكم في سوريا في ستينيات القرن الماضي.. حيث بدأت سيطرة حزب البعث بالاعتقالات وحظر الحركات السياسية المنافسة له، إذ كانت أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، لتندلع وقتها احتجاجات وتمردات، مرات كانت تلك الاحتجاجات سلمية ومرات كانت عسكرية، وفي كل المرات كان النظام يقضي على تلك الاحتجاجات بمجازر، كان آخرها اجتياح مدينة حماة وقصفها عام 1982م. كانت تلك بداية حقبة حزب البعث، اعتقالات وحظر أحزاب ومجازر، سواء ما قبل انقلاب حافظ الأسد عام 1970 أو بعده.

إعلان

وُلد عبدالباسط الساروت في يناير/ كانون الثاني من العام 1992 في حي البياضة بمدينة حمص، تلك الفترة التي نشأ فيها عبدالباسط في تسعينيات القرن الماضي – آخر عقود أعوام حافظ الأسد- كانت سوريا عبارة عن ثكنة عسكرية، تُدار بستة أجهزة أمنية تتجسس على الشعب وتتجسس على بعضها، وكانت تلك الأجهزة تتحكم بشكل كامل بكل سوريا، لا يتحرك سوريٌّ داخل سوريا أو خارجها دون علمٍ من تلك الأجهزة، وكل ذلك كان تحت إدارة حافظ الأسد، الذي كان يضع رجاله في كل تلك الأجهزة ليكون مسيطرًا بأذرعه على كامل التراب السوري.

في يوليو/ تموز من العام 2016، أصدر مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية دراسة بعنوان "الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي".. تقول الدراسة إن حافظ الأسد اعتمد في سبيل بسط سيطرته على الأجهزة الأمنية أسلوبي توليد العداء والتنافس بين الأجهزة والقائمين عليها، إذ جعل مؤشر الأداء الجيد وفق معيارَي الولاء والطاعة المطلقة، إذ أصبح للفرد في تلك المؤسسات الأمنية مصلحة خاصة، فيطلق الموظف الأمني يده في كل مفاصل الدولة، ويصبح لكل فرد مصدر ثراء فاحش، وله ملفات فساد وتجاوزات، ويسهل وقتها التخلص من أولئك الأفراد الفاسدين حين يزيد طموحهم، وفي الوقت نفسه لا تترك إقالته أثرًا على المنظومة الأمنية.

شارك الساروت في سلمية الثورة، وفي نضال الثورة المسلح، حيث كان أول من أسس كتيبة "شهداء البياضة" للدفاع عن حيه الذي نشأ فيه، وشارك بالقتال والدفاع عن المدينة بنفسه، وفي المعارك التي كانت ضد قوات النظام عند حصار النظام مدينة حمص لمدة أكثر من عام

تلك الظروف التي نشأ فيها الساروت، كانت تجعل الشباب يتجهون لتفريغ طاقاتهم في أمور أكثر أمنًا وأمانًا، فدائمًا ما تأمر الأسر أبناءها بالابتعاد عما يثير قلق تلك الأجهزة الأمنية، فاتجه عبدالباسط الساروت لكرة القدم في سن مبكرة، وبرز شغفه بكرة القدم، اللعبة التي كانت أكثر من مجرد رياضة بالنسبة له، والتحق الساروت بفريق شباب نادي الكرامة، أحد الأندية العريقة في سوريا، حيث لعب كحارس مرمى.

كان أداؤه المتميز بين العارضتين سببًا في انضمامه إلى المنتخب السوري للشباب، حيث لمع اسمه كأحد أفضل حراس المرمى الواعدين، وكانت أبسط طموحاته أن يصبح حارسًا لامعًا في المنتخبات الوطنية، وربما يلعب في أحد الأندية العالمية، إذ كان وقتها هو حارس المرمى الأول للمنتخب السوري للشباب، وكان قريبًا من حراسة المنتخب الأول، ذلك الحلم يعكس طموحه الكبير، وإصراره على تطوير نفسه رغم التحديات.

إعلان

في العام 2010 وبداية العام 2011 اندلعت احتجاجات سلمية في تونس، ثم مصر، ثم اليمن، ثم ليبيا، ثم سوريا، فيما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، تغيرت أحلام الشباب في كل البلاد العربية، إذ وجدوا أنه من الممكن أن تسقط الأنظمة وترحل رؤوسها، كما هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وكما تنحى الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وتحولت الأحلام إلى تمنيات بمعانقة أنفاس الحرية واستنشاق هواء العزة والتنعم بأجواء العدل، وهكذا كان الساروت مثل كل الشباب العربي، فنزل إلى الشوارع رفقة الناس الذين خرجوا في مدينته حمص، وكان يقود الاحتجاجات رغم صغر سنه، واشتهر وقتها بالأغاني والأهازيج ليلقب ببلبل الثورة السورية.

في بداية الشهر الثاني للثورة السورية، وبالتحديد في أبريل/ نيسان، خرج المجند وليد القشعمي (كان في الحرس الجمهوري آنذاك) ليعلن عبر مقطع فيديو هو وآخرون انشقاقهم عن النظام السوري، والسبب أن الضباط الأعلى منهم رتبة كانوا يأمرونهم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، لكنهم رفضوا وتركوا أسلحتهم واحتموا بالمظاهرة ثم هربوا، وبهذه الطريقة توالت الانشقاقات عن الجيش النظامي ليتم تأسيس الجيش السوري الحر، ليجمع الثوار والضباط المنشقين.

وكما شارك الساروت في سلمية الثورة، شارك في نضال الثورة المسلح، حيث كان أول من أسس كتيبة "شهداء البياضة" للدفاع عن حيه الذي نشأ فيه، وشارك بالقتال والدفاع عن المدينة بنفسه، وشارك في المعارك التي كانت ضد قوات النظام عند حصار النظام مدينة حمص لمدة أكثر من عام، وأصيب أكثر من مرة، وتم استهداف منزله، واستشهد كثير من أقاربه.

لم يكن الساروت مجرد اسم في صفحات التاريخ، بل كانت مسيرته تحكي تاريخ نضال الشعب السوري ضد حقبة حزب البعث التي انتهت قبل ذكرى ميلاده بأقل من شهر

بعد عسكرة الثورة السورية كان النظام يشيطن معارضيه، بحجة أنهم فصائل جهادية إرهابية تقاتل الطوائف الأخرى، وفي وقت حصار مدينة حمص عام 2014 وانسحاب المعارضة منها، كان التنظيم الذي يسمي نفسه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" يسيطر على مناطق عريضة في سوريا والعراق، في حين كانت التنظيمات الثورية المسلحة تعاني من الضعف الشديد، إذ كانت بنية الجيش السوري الحر من ثوار تسلحوا لحماية مدينتهم، وضباط منشقين يقاتلون دون رواتب.

إعلان

حينها أُشيعت أخبار أن عبدالباسط الساروت قد بايع تنظيم الدولة الإسلامية؛ بحجة أن الجميع خذل الثورة السورية، لكن بعدها بثمانية أشهر ظهر عبدالباسط الساروت في مقطع فيديو لينفي انضمامه لتنظيم الدولة الإسلامية.

لم تكن اختلافات فصائل الثورة المسلحة مع تنظيم الدولة الإسلامية فقط، بل كانت الاختلافات مع تنظيم عرف باسم "جبهة النصرة"، هاجم كتيبته وطردها في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، ثم أصدر أمرًا باعتقاله بحجة انضمامه إلى تنظيم الدولة ومحاربة الثوار، ليذهب ويسلم نفسه بعدها بعامين، حيث ظل مسجونًا في سجون هيئة تحرير الشام أكثر من أسبوع، لتتم تبرئته بعدها من تهمة الانضمام لتنظيم الدولة من قبل إحدى المحاكم التابعة لهيئة تحرير الشام بإدلب.

بعد خروجه من سجون هيئة تحرير الشام عاد إلى المعارك مرة أخرى، حيث أصيب في إحدى معارك حماة مع النظام في يونيو/ حزيران من العام 2019، ونقلوه إلى مستشفى في تركيا، لكن توفي في صباح الثامن من يونيو/ حزيران عام 2019، ونُقل جثمانه إلى إدلب حيث دفن هناك.

لم يكن الساروت مجرد اسم في صفحات التاريخ، بل كانت مسيرته تحكي تاريخ نضال الشعب السوري ضد حقبة حزب البعث التي انتهت قبل ذكرى ميلاده بأقل من شهر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان