شعار قسم مدونات

الفلسطينيون في سوريا بين المساواة والقمع

A young woman from Afghanistan comforts her child in victoria square where hundreds of refugees have found temporary shelter until they continue their trip in Athens,Greece.Thursday 01 October 2015. (Photo by Fotis Plegas G/NurPhoto) (Photo by NurPhoto/NurPhoto via Getty Images)
نظام الأسد كان ينظر إلى الفلسطينيين بوصفهم شريحة يمكن أن تكون مصدر تهديد إذا ما انحرفت عن الخطوط السياسية التي رسمها (غيتي إيميجز)

على مدى عقود، تميّزت العلاقة بين النظام السوري واللاجئين الفلسطينيين بطابع فريد؛ فعلى الرغم من أن الفلسطينيين لم يحصلوا على الجنسية السورية، فإنهم نالوا حقوقًا اقتصادية واجتماعية مشابهة لتلك التي يتمتع بها المواطن السوري. كانت سوريا، منذ لجوء الفلسطينيين إليها عام 1948، من أكثر الدول العربية دعمًا للقضية الفلسطينية، حيث اعتبر النظام الفلسطينيين جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري، لكن هذا الدعم لم يكن خاليًا من التعقيدات.

آلاف الفلسطينيين مروا بأقبية المخابرات السورية، حيث تعرّضوا للتعذيب والاعتقال التعسفي، خاصة خلال فترة حكم حافظ الأسد وبعدها في عهد بشار الأسد

المساواة في التعليم والعمل

منذ وصولهم إلى سوريا، تمتع الفلسطينيون بحقوق متساوية تقريبًا مع السوريين في مجالات التعليم والعمل.. أُعفي الطلاب الفلسطينيون من الرسوم الدراسية، وتمكنوا من الالتحاق بالمدارس والجامعات السورية دون قيود إضافية. كما مُنحوا حق العمل في القطاعين؛ العام والخاص، ما أتاح لهم الفرصة للاندماج في الحياة الاقتصادية السورية.

تميز الفلسطينيون في سوريا عن نظرائهم في دول عربية أخرى بامتلاكهم هذه الحقوق الواسعة، حيث كان وضع اللاجئ الفلسطيني في بلدان أخرى، غالبًا، محصورًا في مخيمات  مكتظة مع فرص محدودة للتعليم والعمل.

القمع السياسي: لا استثناءات

لكن هذه المساواة لم تحمِ الفلسطينيين من القمع السياسي الذي اشتهر به النظام السوري؛ إذ تعاملت الأجهزة الأمنية مع الفلسطينيين بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع السوريين، وخاصة أولئك الذين عبَّروا عن آراء سياسية مخالفة، أو كانوا نشطين في أحزاب فلسطينية لا تتماشى مع سياسة النظام.

إعلان

آلاف الفلسطينيين مروا بأقبية المخابرات السورية، حيث تعرضوا للتعذيب والاعتقال التعسفي، خاصة خلال فترة حكم حافظ الأسد وبعدها في عهد بشار الأسد. كان النظام ينظر إلى الفلسطينيين بوصفهم شريحة يمكن أن تكون مصدر تهديد إذا ما انحرفت عن الخطوط السياسية التي رسمها.. هذه التجربة جعلت الفلسطينيين يشعرون بأنهم مواطنون في سوريا من حيث الحقوق، ولكنهم كذلك تحت سطوة القمع كما هو حال السوريين.

رغم كل ما مر به الفلسطينيون في سوريا من تجارب قاسية، يبقى الأمل قائمًا بأن يعاملهم أي نظام جديد في سوريا بإنسانية وكرامة، والفلسطينيون كانوا ولا يزالون جزءًا من الشعب السوري

الفلسطينيون في خضم الأزمة السورية

مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وجد الفلسطينيون أنفسهم في موقف حرج.. انقسمت مواقفهم بين مؤيد ومعارض للنظام، وتعرضت مخيماتهم – مثل مخيم اليرموك- لحصار وتجويع وقصف مدمر، ما أضاف مأساة جديدة إلى مأساتهم المستمرة منذ عقود.

أمل بالمستقبل

رغم كل ما مرّ به الفلسطينيون في سوريا من تجارب قاسية، يبقى الأمل قائمًا بأن يعاملهم أي نظام جديد في سوريا بإنسانية وكرامة، والفلسطينيون كانوا ولا يزالون جزءًا من الشعب السوري، يتشاركون معه الحياة اليومية والتحديات والطموحات. إن معاملة الفلسطينيين بإنصاف واحترام ستعكس الوجه الحقيقي لسوريا الجديدة، التي يتطلع السوريون والفلسطينيون معًا إلى بنائها، حيث تسود العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.

يبقى الفلسطينيون في سوريا شاهدين على قدرة النظام على تقديم الدعم والانفتاح في سياق معين، وممارسة القمع والتهميش في سياقات أخرى

إن تجربة الفلسطينيين في سوريا تعكس مزيجًا معقدًا من الدعم الرسمي والحقوق من جهة، والقمع السياسي من جهة أخرى. هذه المعاملة المزدوجة تُظهر التناقض في سياسات النظام السوري تجاه اللاجئين الفلسطينيين، حيث كان يُنظر إليهم كجزء من القضية الوطنية من جهة، وكجزء من أي تهديد محتمل للاستقرار من جهة أخرى.

يبقى الفلسطينيون في سوريا شاهدين على قدرة النظام على تقديم الدعم والانفتاح في سياق معين، وممارسة القمع والتهميش في سياقات أخرى. ومع ذلك، فإن التطلع إلى مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية يجمع السوريين والفلسطينيين في إطار واحد من الاحترام المتبادل هو الطريق نحو طي صفحة المعاناة الطويلة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان