تمثل معركة حطين (583هـ/ 1187م) واحدة من أبرز نقاط التحول في تاريخ الصراع الإسلامي- الصليبي، حيث أسفرت عن فتح بيت المقدس واستعادة المسجد الأقصى بعد احتلال دام عقودًا.
لم يكن هذا النصر وليد جهد فردي أو قرار لحظي، بل هو نتاج لتضافر جهود عدة ملوك وسلاطين عبر أجيال متعاقبة، بدءًا من عهد نور الدين زنكي وصولًا إلى القيادة الحاسمة لصلاح الدين الأيوبي. تحققت هذه الانتصارات بتضحيات كبيرة وتخطيط طويل الأمد، حيث اجتمع المسلمون تحت راية مشتركة ضد عدو خارجي، ما يبرز قيمة الوحدة والتعاون من أجل قضية كبرى.
قصة المقاومة لم تتوقف عند صلاح الدين؛ إذ استمر المسلمون في مواجهة الصليبيين لأكثر من مائة عام، حتى تم طردهم بشكل كامل من بلاد الشام؛ ويُظهر هذا النضال الطويل أهمية الصبر والاستمرار في المعركة
بدأت بوادر هذا النصر بمعركة الزلاقة في الأندلس (479هـ/ 1086م) عندما اجتمعت جيوش المسلمين لصد تقدم الصليبيين هناك. وعلى الجانب الشرقي من العالم الإسلامي، عملت الأسرة الزنكية على التمهيد لمرحلة جديدة من المواجهة مع الصليبيين، حيث تولى الملك العادل نور الدين زنكي زمام المبادرة بإعداد جيوش قوية ومؤسسات عسكرية تدعم المقاومة.
كان نور الدين نموذجًا للقائد المسلم الذي يدرك أن التحضير الشامل والتحالف مع قوى إسلامية متعددة هما السبيل لتحقيق النصر. وخلال هذه الفترة، أصبحت فكرة تحرير بيت المقدس قضية محورية تتطلب عملًا جادًا من الجميع.
استلم السلطان صلاح الدين الأيوبي الراية من نور الدين، وأدرك أنه يجب الاستمرار في هذه السياسة الوحدوية لضمان طرد الصليبيين. قاد صلاح الدين المسلمين في معركة حطين التي تعد نقطة حاسمة، حيث نجح في تفكيك جيش الصليبيين وإضعاف قوتهم.
بعد النصر في حطين، توجه إلى القدس واستعادها بعد أن كانت رهينة لدى الصليبيين منذ عام 1099م، وعمل على إعادة المدينة إلى الحضن الإسلامي، ما مثل خطوة رمزية، وبداية حقيقية في مسار تحرير المنطقة.
لكن قصة المقاومة لم تتوقف عند صلاح الدين؛ إذ استمر المسلمون في مواجهة الصليبيين لأكثر من مائة عام، حتى تم طردهم بشكل كامل من بلاد الشام؛ ويُظهر هذا النضال الطويل أهمية الصبر والاستمرار في المعركة، وعدم الاعتماد على قائد واحد أو انتظار منقذ خارق.
بعد وفاة صلاح الدين، سقطت القدس مرة أخرى في يد الصليبيين سنة 1229م، نتيجة معاهدة فريدريك الثاني، وبقيت محتلة لمدة 28 عامًا، حتى تمكن المسلمون من استعادتها عام 1247م على يد الملك الصالح أيوب.
تكشف هذه الأحداث التاريخية عن مفاهيم عميقة، تتعلق بالصراع من أجل الحق والأرض؛ إذ إن تحرير القدس لم يكن نتاج جهد جيل واحد، بل هو نتاج تضحيات مستمرة وجهود جماعية، حيث سار القادة المسلمون بعضهم على خطى بعض، محققين انتصارات متتالية في وجه تحديات كبيرة.
هذه الجهود أظهرت أن الوحدة بين المسلمين، وتمسكهم بقضيتهم، كانا القوة الدافعة لتحرير المقدسات، وهي رسالة يجب أن تظل محفورة في أذهان الأجيال الحالية.
لا ينبغي لنا انتظار بطل أسطوري ليأتي ويحرر القدس بين ليلة وضحاها.. تحرير الأرض يستلزم جهدًا طويل الأمد، ورؤية إستراتيجية واضحة، تشمل العمل السياسي، والتضامن الشعبي، والمقاومة بكل أشكالها
وفي ضوء هذا التاريخ، ندرك أن التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم ليست مختلفة عن تلك التي واجهها أجدادنا.. تحرير القدس والأراضي الفلسطينية من الاحتلال ليس واجبًا يحمله فقط فرد واحد أو جيل بعينه، بل هو واجب يقع على عاتق الأمة ككل.
علينا أن نتعلم من تاريخنا أن السبيل إلى التحرير يكون بالعمل الجماعي والمشاركة الفاعلة، حتى ولو بأدوار صغيرة. إذ إن أبطال الأمس لم يكونوا شخصيات أسطورية بقدر ما كانوا أفرادًا عاديين جمعتهم عزيمة قوية وإرادة صلبة.
وفي هذا السياق، لا ينبغي لنا انتظار بطل أسطوري ليأتي ويحرر القدس بين ليلة وضحاها.. تحرير الأرض يستلزم جهدًا طويل الأمد، ورؤية إستراتيجية واضحة، تشمل العمل السياسي، والتضامن الشعبي، والمقاومة بكل أشكالها.
إن ما نحتاجه اليوم هو تعزيز الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية، والتخطيط بعناية لتحقيق أهدافنا، ومواصلة مسيرة التحرير جيلًا بعد جيل، حتى يأتي اليوم الذي نرى فيه فلسطين حرة مستقلة.
ختامًا، يمثل تحرير القدس هدفًا ساميًا، لكنه يتطلب عملًا شاقًا ومساهمة فاعلة من الجميع، كما علمتنا معركة حطين وما تلاها من أحداث. إن الالتزام الجماعي هو السبيل لتحقيق النصر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.