يشهد الشرق الأوسط تحوّلًا غير مسبوق؛ فالاتجاهات الجيوسياسية، والأزمات البيئية، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تدفع البلدان إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية. ومع ذلك، فبعيدًا عن السرديَّات المرئيَّة للتنويع، والتحوّلات في مجال الطاقة الخضراء، والاقتصادات الرقميَّة، هناك قوى خفيّة تشكّل مسار المنطقة.
تؤثر ديناميكيات القوة غير الرسمية، والتحالفات المتطورة، والتقدم العلمي، على الإستراتيجيات الاقتصادية بطرقٍ تكون غامضة غالبًا.. تشرح هذه المقالة العوامل الخفية، وتقدم تحليلًا متعمقًا لكيفية دفعها لمستقبل السياسة الاقتصادية في الشرق الأوسط، وتتنبأ بالتأثيرات المحتملة طويلة الأجل على الاستقرار الإقليمي.
لطالما كان يُنظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسة الاعتماد على النفط وعدم الاستقرار السياسي والانقسامات الدينية. ومع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، بدأت المنطقة عملية معقدة من التحول الاقتصادي.
ومع ذلك، تكمن وراء هذه الأجندات الإصلاحية الطموحة مجموعة أعمق وأكثر تعقيدًا من الديناميكيات – بعضها مرئيّ وبعضها مخفيّ – والتي تشكّل السياسة الاقتصاديّة بطرق ليست واضحة دائمًا.
غالبًا ما يُشاد بالشرق الأوسط باعتباره ساحة معركة حاسمة في مكافحة تغير المناخ، حيث تقع احتياطياته النفطيَّة الضخمة في قلب أسواق الطاقة العالمية
التحولات الجيوسياسية والتحالفات الخفية التي تؤثر على السياسة الاقتصادية
لقد خضعت الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط لتحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، فقد نشأت تحالفات ومنافسات جديدة تعقّد التوقعات الاقتصادية.
ومع أن الرواية العامة تركز على الأهمية الدبلوماسية للصفقات السرية، فإنّ لها آثارًا عميقة على السياسة الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.
وبخلاف الدبلوماسية الرسمية بين الدول، غالبًا ما تؤدي الشبكات الاقتصادية غير الرسمية والتحالفات في القطاع الخاص دورًا كبيرًا في اقتصادات الشرق الأوسط. وغالبًا ما تكون هذه الشبكات غير شفافة، وتعمل بالتوازي مع القنوات الاقتصادية الرسمية.
- سياسات سوق الطاقة: مفارقة التحول الأخضر
غالبًا ما يُشاد بالشرق الأوسط باعتباره ساحة معركة حاسمة في مكافحة تغير المناخ، حيث تقع احتياطياته النفطيَّة الضخمة في قلب أسواق الطاقة العالمية. وعلى الرغم من الالتزامات العامة المتزايدة بالطاقة الخضراء، تظلّ المنطقة متجذّرة بعمق في الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وحدّدت أغلب دول الخليج أهدافًا طموحة للطاقة المتجدّدة، ومنها الاستثمار بكثافة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومع ذلك، فإن الواقع أكثر تعقيدًا، في حين تستثمر بعض البلدان في مصادر الطاقة المتجدّدة، فإنَّ هيكلها الاقتصادي الأساسي – القائم على النفط والغاز- لا يزال سليمًا.
يكشف تحليل أعمق أن العديد من دول الشرق الأوسط تراهن على التحول الأخضر. إنهم يستثمرون في الطاقة المتجددة لأسباب دبلوماسية، ويحظون بالتأييد في المفاوضات المناخية الدولية، وفي الوقت نفسه يضمنون أن تظل صادرات النفط العمود الفقري لاقتصادهم.
مع ترسيخ الأتمتة والذكاء الاصطناعي، فإن افتقار القوى العاملة إلى الجاهزية التكنولوجية قد يعيق قدرة المنطقة على التكيف مع الاقتصاد الرقمي
تحديات التنويع الاقتصادي وواقع التبعية
تواجه اقتصادات الشرق الأوسط مفارقة، فعلى الرغم من عقود في جهود التنويع، لا يزال للنفط دور محوري في تشكيل اقتصاداتها.
هناك عدّة عوامل تعيق التنفيذ الناجح لإستراتيجيات التنويع:
- الاقتصاد السياسي: لا يشكل قطاع النفط ركيزة اقتصادية فحسب، بل ركيزة سياسية أيضًا، إذ إنَّ المصالح الراسخة في صناعة النفط تخلق مقاومة للتغيير، وخاصة عندما تفشل القطاعات البديلة، مثل السياحة أو التكنولوجيا، في توليد نفس المستوى من الإيرادات الفورية.
- رأس المال البشري: تعتمد القوى العاملة في المنطقة إلى حد كبير على العمال الأجانب، ويتخلف تطوير المهارات المحلية، ما يحد من القدرة على خلق اقتصادات محلية قائمة على المعرفة.
دور العمالة الوافدة وعجز الابتكار
إنّ اعتماد الشرق الأوسط على العمالة الوافدة في قطاعات تتراوح من البناء إلى الرعاية الصحيّة هو سلاح ذو حدّين. ففي حين يدعم العمال الأجانب القطاعات الرئيسيّة، فإنّهم يُعيقون أيضًا تطوير أنظمة الابتكار المحلّيّة.
وفي العقد القادم، قد يشكل هذا الاعتماد على العمالة الأجنبية مخاطر كبيرة، خاصة مع تحول المناخ الاقتصادي العالمي. ومع ترسيخ الأتمتة والذكاء الاصطناعي، فإن افتقار القوى العاملة إلى الجاهزية التكنولوجية قد يعيق قدرة المنطقة على التكيف مع الاقتصاد الرقمي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.