تعني السيادة الاقتصادية، كمفهوم عام، قدرة الدولة على التحكم المستقل في سياساتها الاقتصادية، واتخاذ القرارات التي تحقق مصلحة شعبها بعيدًا عن أي هيمنة أو ضغوط خارجية، وبالنسبة لبلد كموريتانيا، تُعد هذه القضية محورية في ظل اعتمادها الكبير على الاستيراد، وانعدام الصناعة المحلية بجميع أشكالها، والنقص الحاد في الوعي الاقتصادي للمواطنين.
في هذا المقال، سأستعرض، بعجالة، مفهوم السيادة الاقتصادية من منظور الواقع الموريتاني، مع نظرة نقدية لتحدياتها وآفاقها.
موريتانيا تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية، بدءًا من المواد الغذائية وصولًا إلى المنتجات الصناعية، وهذا الاعتماد يُبرز إشكالية غياب الصناعة المحلية القادرة على تلبية احتياجات السوق، ومع انعدام المصانع المحلية وغياب إستراتيجيات واضحة لدعم التصنيع
تحديد مفهوم السيادة الاقتصادية في موريتانيا
إنّ استقلالية الدولة في إدارة مواردها الاقتصادية، دون تدخّل خارجي يمسّ بمصالحها، هو جوهر السيادة الاقتصادية، ولكن في موريتانيا، يظهر هذا المفهوم بشكل غامض، وقد يكون ذلك بسبب الهيمنة الكبيرة للأنشطة الاقتصادية الخارجية.
فالموارد الطبيعية، التي تعتبر ثروة هائلة، تُستغل من قِبل المستثمرين الأجانب الذين يركزون على تصدير المواد الخام إلى مصانع خارجية بدلًا من إنشاء مصانع محلية، وهو ما يُفقد الاقتصاد الموريتاني فرصة بناء قاعدة صناعية قوية تُسهم في توفير الوظائف، وتعزيز الإنتاج الوطني.
الاعتماد على الاستيراد وإهمال التصنيع
إن موريتانيا تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية، بدءًا من المواد الغذائية، وصولًا إلى المنتجات الصناعية، وهذا الاعتماد يُبرز إشكالية غياب الصناعة المحلية القادرة على تلبية احتياجات السوق، ومع انعدام المصانع المحلية وغياب إستراتيجيات واضحة لدعم التصنيع، تظل البلاد رهينة للتقلبات الاقتصادية العالمية، مثل ارتفاع أسعار المواد المستوردة أو تأخر الشحنات.
إن اتباع إستراتيجيات جديدة من شأنها التركيز على التصنيع المحلي، قد يُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليص الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص عمل حقيقية للعاطلين عن العمل. فعلى سبيل المثال، تصنيع المنتجات الزراعية محليًا يمكن أن يُحول موريتانيا من دولة مستوردة إلى مُصدّرة نظرًا لكثرة الأراضي الصالحة للزراعة وتوفر المياه الطبيعية.
يعتبر جذب الاستثمار الأجنبي ضروريًا لتطوير الاقتصاد، إلا أن التحدي يكمن في شروط هذا الاستثمار، ففي كثير من الأحيان، يتم منح المستثمرين امتيازات كبيرة دون فرض شروط صارمة تُلزمهم بالمساهمة الفعلية في التنمية المحلية
ضعف الوعي الاقتصادي لدى المواطنين
من المؤسف وغير اللائق معاناة المواطن الموريتاني البسيط من نقص في الثقافة الاقتصادية وهو ما يُعيق فهمه لما يجري حوله في المجال الاقتصادي، كما أنه لا تُبذل الجهود الكافية، من طرف الجهات المعنية، لتبسيط المفاهيم الاقتصادية ونقلها إلى المواطن العادي، مما يجعل كثيرين غير مدركين تحديات بلادهم الاقتصادية أو مستقبل معيشتهم.
إن من سلبيات هذا النقص كونه يُسهّل تمرير سياسات قد لا تخدم مصلحة المواطن، وتبقيه بعيدًا عن المشاركة في نقاشات السياسات الاقتصادية، فمثلًا، إذا كان المواطن مُطلعًا على تأثير تصدير المواد الخام دون تصنيعها محليًا، فإنه قد يطالب بسياسات تحفز المستثمرين على بناء مصانع داخل البلاد بدلًا من مجرد استنزاف الموارد.
الخطاب الترويجي لجذب المستثمرين
تسعى السلطات المحلية إلى جذب المستثمرين الأجانب، وغالبًا ما يتم الترويج لفكرة مفادها أن الوضع الاقتصادي مستقر وكل شيء على ما يرام، وفي الحقيقة، يعتبر جذب الاستثمار الأجنبي ضروريًا لتطوير الاقتصاد، إلا أن التحدي يكمن في شروط هذا الاستثمار، ففي كثير من الأحيان، يتم منح المستثمرين امتيازات كبيرة دون فرض شروط صارمة تُلزمهم بالمساهمة الفعلية في التنمية المحلية كإنشاء المصانع واكتتاب اليد العاملة.
يمكن القول إن المشكلة الحقيقية ليست في الاستثمار الأجنبي بحد ذاته، بل في طريقة استغلاله للموارد، فعندما يُركز المستثمر على استخراج المواد الخام فقط، فإن الفائدة الاقتصادية الحقيقية تُفقد، ويبقى المواطن الموريتاني يعاني من البطالة وضعف البنية التحتية.
يجب معرفة أن السيادة الاقتصادية ليست مجرد شعار بل إنها ضرورة لبناء اقتصاد قوي ومستدام ينعكس على الدولة وعلى حياة المواطن اليومية بشكل مباشر ويتطلب تحقيقها مواجهة التحديات المرتبطة بالتبعية للاستيراد
طريق تحقيق السيادة الاقتصادية
من أجل تحقيق السيادة الاقتصادية في موريتانيا، يجب تبني سياسات شاملة وطموحة تشمل ما يلي:
- إنشاء مصانع محلية: يجب أن تكون الأولوية منصبة حول إنشاء مصانع وطنية تُعزز من قيمة المواد الخام قبل تصديرها، سواء كانت معادن أو منتجات زراعية، وهو ما سيخلق فرص عمل مباشرة، ويُحسن من توازن الميزان التجاري.
- رفع الوعي الاقتصادي: ينبغي للحكومة والمؤسسات التعليمية والإعلامية العمل على نشر الثقافة الاقتصادية بين المواطنين، لتوضيح أهمية الإنتاج المحلي، وتأثير السياسات الاقتصادية على معيشتهم اليومية.
- رقابة وتوجيه الاستثمار الأجنبي: بدلًا من منح المستثمرين حرية استغلال الموارد، يجب وضع قيود وقوانين تُلزمهم بالمساهمة في إنشاء بنى تحتية محلية، مثل المصانع والمشاريع الإنتاجية.
- تعزيز قطاعي الزراعة وصيد الأسماك: تمتلك موريتانيا ثروات طبيعية هائلة يمكن استغلالها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء وتصدير المنتجات ذات القيمة المضافة.
وفي الأخير، يجب معرفة أن السيادة الاقتصادية ليست مجرد شعار بل إنها ضرورة لبناء اقتصاد قوي ومستدام ينعكس على الدولة، وعلى حياة المواطن اليومية بشكل مباشر ويتطلب تحقيقها مواجهة التحديات المرتبطة بالتبعية للاستيراد، وغياب التصنيع، وضعف الوعي الاقتصادي واتباع سياسات مدروسة وشراكات إستراتيجية قائمة على مصلحة البلد، وهو ما سيسمح لموريتانيا أن تحقق استقلالها الاقتصادي وتبني مستقبلًا أكثر ازدهارًا لمواطنيها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.