إلى عهد قريب، ظلّ الحديث عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره المباشر على حياة الأفراد والمجتمعات، مقتصرًا على أفلام الخيال العلمي التي تصوّر أدوات ذكية قادرة على محاكاة التفكير الآدمي وأداء المهام الموكلة إليها بكفاءة عالية.. كنا ننظر إلى تلك الأفلام بوصفها نوعًا من السباحة في الخيال، حيث إنه لا صلة لها بالحقيقة، ولا وجود لها على أرض الواقع..
تتنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة فهناك برامج تحليل البيانات، وأدوات الكتابة والتحرير الآلي، وأنظمة التحقق من الأخبار
ولكننا اليوم نرى ونعيش تأثير الذكاء الاصطناعي كواحد من الأدوات الثورية التي أثرت بشكل جوهري في العديد من المجالات.. والعاملون في مهنة الصحافة، والمهتمون بدراستها، يدركون عمق التأثير الذي ألحقته الأدوات والبرامج الذكية بمجال الصحافة والإعلام.
أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم أداة حيوية تسهم في تغيير طريقة إنتاج الأخبار ونشرها، مما يوفر للصحفيين إمكانات غير مسبوقة لتحسين جودة العمل الصحفي وتوسيع نطاق الوصول إلى المعلومات، وأصبح الصحفيون قادرين على تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، مما يساعدهم على تتبع الأحداث، وكشف القصص الخبرية بطريقة أكثر سرعة ودقة.
تتنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة، فهناك برامج تحليل البيانات، وأدوات الكتابة والتحرير الآلي، وأنظمة التحقق من الأخبار، بالإضافة إلى زيادة تفاعل الجمهور مع الرسائل الإعلامية، من خلال تخصيص المحتوى، وتحسين تجربة المستخدم.
في الجزء الأول من هذا المقال نسعى إلى استكشاف أهم استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة، ونتطرق إلى توظيفه في مجال بالرصد والمتابعة، على أن نستكمل في الجزء الثاني توظيف أدوات وبرامج ذكية في بقية مراحل الإنتاج، ونركز أساسًا على مرحلتَي التحرير والمعالجة، والنشر والتوزيع.
تتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي في تسهيل عملية الرصد التلقائي للموضوعات، وتحويل الصوت إلى نصوص مكتوبة، وتحليل الاتجاهات العامة، مما يتيح لوسائل الإعلام الفرصة لتقديم تغطية شاملة في وقت وجيز
الرصد والمتابعة
في ظل تزايد حجم المعلومات المتدفقة يوميًا عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، لكونه أداة حيوية تساعد المؤسسات الإعلامية على معالجة هذا الكم الهائل من البيانات، والتعرف على الموضوعات الرائجة.
وتتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي في تسهيل عملية الرصد التلقائي للموضوعات، وتحويل الصوت إلى نصوص مكتوبة، وتحليل الاتجاهات العامة، مما يتيح لوسائل الإعلام الفرصة لتقديم تغطية شاملة ومفصّلة في وقت وجيز.
وفي هذا السياق، فإن كثيرًا من وسائل الإعلام والمؤسسات الصحفية حول العالم باتت تستعين بأدوات مثل غوغل تريندز (Google Trends)؛ لرصد الموضوعات الرائجة، حيث توفر هذه الأداة التابعة لشركة "ألفابت" المالكة لمجموعة "غوغل" معطيات هامة حول الكلمات المفتاحية الرائجة والموضوعات التي يبحث عنها مستخدمو محركات البحث حول العالم، وتمكِّن الصحفيين من تحديد النطاق الجغرافي الذي يريدون التركيز عليه، لمعرفة ما يهتم به المستخدمون في مناطق أو دول معينة وإنتاج محتوى يجذب عناية جمهور محدد.
لا تقتصر الأدوات التي يمكن للمؤسسات الصحفية الاعتماد عليها في مجال الرصد المتابعة على غوغل تريندز، ورابيد مينر فحسب، بل هناك عدد ضخم من البرامج والتطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي
وبالإضافة إلى غوغل تريندز، بدأ الكثير من وسائل الإعلام حول العالم تستعين بأداة رابيد مينر (RapidMiner)، لتحليل البيانات الضخمة من خلال فرز النصوص والمقالات والمنشورات التي يتداولها المستخدمون على صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، لفهم اتجاهات الرأي العام، ومعرفة الموضوعات والأحداث التي تستحوذ على عناية المستخدمين.
فعلى سبيل المثال، في زمن الانتخابات، يمكن الاستعانة بهذه الأداة لمعرفة آراء الناخبين بالاستناد إلى تحليل ملايين المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي حول مرشح معين، أو حول مجموعة من المرشحين.
ولا تقتصر الأدوات التي يمكن للمؤسسات الصحفية الاعتماد عليها في مجال الرصد المتابعة على غوغل تريندز، ورابيد مينر فحسب، بل هناك عدد ضخم من البرامج والتطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويمكن توظيفها في مجال الرصد والمتابعة، وثمة أيضًا الخوارزميات التي تعمل على تحويل محتوى البرامج التلفزيونية والإذاعية وبرامج البودكاست إلى نصوص مكتوبة يسهل تحليلها والبحث فيها عما تركز عليها وسائل الإعلام حول العالم وما يهم المتابعين.
هذه الخوارزميات تسمح بفهرسة البرامج الإذاعية والتلفزيونية وتصنيفها حسب الموضوعات، لتسهيل عملية البحث عن محتوى معين أو متابعة تصريحات زعماء سياسيين أو شخصيات عامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.