شعار قسم مدونات

ماذا عن حدود عملية إسرائيل البرية في لبنان؟

نشاط قوات الفرقة 36 في جنوب لبنان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي
نشاط قوات الفرقة 36 في جنوب لبنان (الصحافة الإسرائيلية)

أعلن الجيش الإسرائيلي، فجر الثلاثاء 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بدء عملية برية "محددة الهدف والدقة" ضد أهداف لحزب الله في المنطقة القريبة من الحدود في جنوبي لبنان، وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن وحدات كوماندوز خاصة من الجيش توغلت في الجانب اللبناني قبل إعطاء الضوء الأخضر.

مهدت إسرائيل لعملية الاجتياح بمشهد سيطر على الجبهة الجنوبية منذ الاثنين 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، من خلال التصعيد غير المسبوق في عملياتها الجوية، التي ركّزت على هدفين: الأول، اغتيال كبار قادة حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، بينما الثاني تنوع بين ضرب المدنيين بهدف تهجيرهم من مناطقهم، وبين استهداف منصات وقواعد ومراكز وبيوت يختزن فيها الحزب صواريخه، بحسب الزعم الإسرائيلي.

بحسب التفهّم الأميركي للعملية البرية، هي لا تعني فقط العودة الآمنة للمستوطنين، بل هناك نيّة ظهرت إلى العلن، ولم تكن سابقًا، وهي القضاء على قدرات حزب الله الصاروخية، لوقف تهديداته المتكررة لسكان منطقة الشمال

كان من المتوقع تنفيذ العدو اجتياحه البري الذي بدأه بضربة نوعية ذات طابع تكنولوجي عالي الدقة، نفّذتها إسرائيل من خلال تفجيرات لأجهزة اللاسلكي (البيجر) وغيرها على مدى يومين، في دلالة واضحة على عمق الاختراق الأمني والاستخباراتي، الذي ترافق مع تفوق تكنولوجي واضح، وهذا ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى، إضافة إلى الآلاف من الجرحى بينهم إصابات بالغة. أحدث هذا الهجوم إرباكًا داخل منظومة حزب الله وبيئته الحاضنة، وترافق ذلك مع تساؤلات عن نوايا العدو من هذه الضربة، فهل ثمة اجتياح بري؟

إعلان

صدرت طمأنات للجانب الأميركي، أرسلها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى نظيره الأميركي لويد أوستن، بأنها عملية "محددة"، ولكنها معقدة نسبة إلى طبيعة الحرب في لبنان واختلافها عن غزة. طمأنات غالانت لم تأخذها إدارة الرئيس جو بايدن على محمل الجدّ، لهذا دفع بأوستن لتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة للجانب الإيراني، معتبرًا أي تدخل لمساندة الحزب سيؤدي إلى أن تتلقى ضربات عسكرية موجعة.

حرب الجبهة الجنوبية فُتحت على مصراعيها، لا سيما بعد الضربة الإيرانية الواسعة على إسرائيل ليل الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ودخلت في زواريب الأنفاق وما فوق الأنفاق، وبدت وكأنها تأخذ منحى مختلفًا بخلاف ما أكده الإسرائيلي بأنها عملية محدودة، لتتشظى في أهدافها وتتوسع في خياراتها، وتبدأ من عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم، ولا تنتهي بإبعاد حزب الله إلى ما بعد 7 كيلومترات عن الحدود.

فبحسب التفهّم الأميركي للعملية البرية، هي لا تعني فقط العودة الآمنة للمستوطنين، بل هناك نيّة ظهرت إلى العلن، ولم تكن سابقًا، وهي القضاء على قدرات حزب الله الصاروخية، لوقف تهديداته المتكررة لسكان منطقة الشمال، هذا ما يعتبر عسكريًّا تغييرًا لأهداف العملية العسكرية البرية، أي توسيعًا للحرب وإطالة لأمدها.

هي ليست فقط معركة نتنياهو الذي يجد أنها تحدد مستقبله السياسي، لهذا يريد إطالتها.. بل يريد أيضًا إشراك الأميركي فيها، علّه يستطيع بذلك حمله على ضرب منشآت ومفاعلات إيران النووية، وهو الذي طالب بذلك منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2012

صورة من مشهدية بدأت تتبلور وتتوضح مع التقدم البري على جنوب لبنان، لترسم ملامح المرحلة المقبلة من الجانب الإسرائيلي، التي عبّر عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من مجلس الأمن يوم الجمعة 27 سبتمبر/ أيلول الماضي؛ حيث توقف عند مشروع تنفذه إسرائيل أطلق عليه "مشروع الخير"، وهو الممر الاقتصادي الجديد للمنطقة، الذي تأخذ فيه دولته دور الربط المحوري بين جنوب آسيا- الهند تحديدًا-، مرورًا بدول عربية، عبر قناة بن غوريون (بعد استكمال إنجازها)، وصولًا إلى العمق الأوروبي، وهذا ما يفسّر انسحاب إيطاليا، في وقت سابق، من مشروع الحزام والطريق الصيني، للانضمام إلى هذا الممر، ودخولها مشروع الممر الاقتصادي.

إعلان

لم يكن الممر وحده ما تهدف إلى تعبيده تل أبيب، التي تلقى لأجل هذا دعمًا مطلقًا أميركيًّا وصل إلى حدّ التفهم لكل ما تصنعه آلتها الحربية من مجازر وقتل وتهجير بحق المدنيين في فلسطين ولبنان؛ فالأمر يرتبط بإعادة التوازنات إلى المنطقة، بعدما شعر القيّمون على الشرق الأوسط أن كفّة الميزان في تكريس القوة تذهب إلى محور إيران، الذي أطلق عليه نتنياهو اسم "محور الشر".

هذا المحور اختار التموضع في الاصطفاف الروسي- الصيني بوجه الليبرالية الغربية، لا بل ذهب أبعد من ذلك من خلال تقديم الدعم العسكري المطلق لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وتجاهل طهران للتهديدات الغربية إن استمرت في ذلك.

هي ليست فقط معركة نتنياهو الذي يجد أنها تحدد مستقبله السياسي، لهذا يريد إطالتها.. بل يريد أيضًا إشراك الأميركي فيها، علّه يستطيع بذلك حمله على ضرب منشآت ومفاعلات إيران النووية، وهو الذي طالب بذلك منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2012، ولم يُستجب لمطلبه؛ لهذا شكّلت تلك التغييرات اليوم فرصته الذهبية لتوريط إيران في الحرب، على اعتبارها الرأس المحور لكافة وكلائها في المنطقة، من حماس وصولًا إلى الحوثي في اليمن، الذي لم يتوانَ في قصف تل أبيب بصواريخ باليستية إيرانية المنشأ.

بدأ الاجتياح في الجنوب، لكنّ الأمر قد لا يقف عند ضفاف نهر الليطاني شمالًا أو جنوبًا، بل سيصل على ما يبدو إلى حدود ترسيخ أسس المنطقة ومستقبلها

تحتاج إسرائيل تلك الحرب، وهذا ما يفسّر عودة جدعون ساعر إلى أحضان نتنياهو، بعد إعلانه التخلي سابقًا عن مطالبه بالانضمام إلى الحكومة المصغرة. وارتفعت أسهم نتنياهو، خصوصًا أنه يحظى بدعم المتطرفين الدينيين، وهو الذي لا يتوقف عن الاقتباس من التوراة؛ لإضفاء طابع مقدس على هجومه، إذ لجأ يوم الأحد 29 سبتمبر/ أيلول إلى التوراة لتبرير وتفسير العدوان، مستشهدًا بآية من نبوءة النبي أشعيا في التوراة قائلًا: "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام"، متابعًا: "سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم".

إعلان

هي الحرب المنتظرة التي تقاطعت مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، حيث تهدف إلى إبعاد النفوذ الصيني والروسي عبر ربط تحالفهما مع الجمهورية الإسلامية في إيران. هذا ما تريده حقًا واشنطن، وما تنتظره لإعادة ضبط إيقاع المنطقة على قاعدة تكريس التوازنات بعدما نقضها الإيراني.

بدأ الاجتياح في الجنوب، لكنّ الأمر قد لا يقف عند ضفاف نهر الليطاني شمالًا أو جنوبًا، بل سيصل على ما يبدو إلى حدود ترسيخ أسس المنطقة ومستقبلها.. رُسم السيناريو بحنكة، وهذا واضح، ولكن ما ليس واضحًا هو مدى قدرة المقاومة في لبنان والمنطقة على عرقلة هذا السيناريو، من خلال مفاجأة العدو في الميدان البري، كما كان يقول السيد حسن نصر الله، وكما أعلنها بوضوح نائبه الشيخ نعيم قاسم في حديثه يوم الاثنين 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، وكما شهد الميدان من خلال تكبيد حزب الله الإسرائيليين خسائر عسكرية، وتدمير آليات، في كمائن نفذها يوم الأربعاء في مناطق حدودية لبنانية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان