شعار قسم مدونات

نكبتنا تعاد وشمالنا يباد

يتم تدمير شمال غزة بيتا بيتا وحارة تلو الحارة وشارعا بعد شارع (الجزيرة)

أعيش أيامًا صعبة للغاية وأنا أتابع الأوضاع في شمالي قطاع غزة، وخاصة مخيم جباليا، وخاصة منطقتي الفالوجا غربي المخيم، حيث يقع بيتنا الذي تقطن فيه عائلتي.. مع اقتراب النيران واشتدادها على منطقتنا – وبيتنا تحديدًا – شعرت بالخطر الشديد على عائلتي.

هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها اقتحام منطقتنا، لكن لا أخفيكم أن هذه المرة هي الأشد والأقسى، ومن الواضح هذه المرة أن وصف العملية بالإبادة أو حتى التطهير العرقي بات قليلًا قياسًا إلى ما يحدث.

شعرت بقلق على الوالد، وخوف كبير أن يفقد حياته نظرًا لكبر سنه ولكونه مريض سكري، رغم إيماني بأن ما سيكتبه ربي هو خير بكل الأحوال

يتم تدمير المخيم بيتًا بيتًا، وحارة تلو الحارة، وشارعًا بعد شارع.. يُدخلون الروبوتات كي تزرع ألغامًا، وتفجر بيوتًا ومحلات، بل ومربعات بأكملها.. السماء تمطر براميل متفجرة ترمي بحُممها على أهالينا.

والدي الأستاذ محمد سليم (الجزيرة)

صباح الاثنين 21/10/2024، وصلني اتصال يفيد بإصابة والدي محمد سليم، وهو مدرس سابق بمدارس وكالة الأونروا، بجراح خطيرة في رأسه بعد قصف استهدف منزل الجيران، ليسقط أبي من شدة القصف من على سطح منزلنا ويتهاوى فوقه الركام.

ولعدة ساعات ظل والدي ينادي من تحت الركام: "أنا هنا يا بنتي.. رنا". كان أبي مضرجًا بدمائه وفي حالة يرثى لها، وبعد محاولات مضنية تمكنت شقيقتي رنا من إخراجه من تحت الركام. ظلت لساعات تحاول إيقاف نزيف الدم حتى تمكنت من ذلك، ولكن هذا لم يكن كافيًا، كان بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة، ويجب نقله على الفور إلى أقرب مستشفى.

شعرت بقلق على الوالد، وخوف كبير أن يفقد حياته نظرًا لكبر سنه ولكونه مريض سكري، رغم إيماني بأن ما سيكتبه ربي هو خير بكل الأحوال. لكن أكثر ما كان يقلقني أن منطقتنا أصبحت منطقة عسكرية مغلقة، ومن الصعب وصول الطواقم الطبية أو الدفاع المدني إلى المكان، كما أن الاتصالات أصبحت شبه مستحيلة بجباليا بفعل التشويش الإسرائيلي، وهذا كله يصعّب مهمة إنقاذه.

قبل أن نشعر بقليل من الراحة وصلت الأخبار من المشفى بأن جيش الاحتلال سيطر عليه وطرد النازحين من داخله، ولا أدرى ماذا سيفعل هذا الجيش في الساعات القادمة؟

ورغم مناشدتنا كلَّ الأطراف للمساعدة من أجل إنقاذ حياته، ظل الوالد على هذا الحال لأكثر من 24 ساعة.. كان والعائلة قد انتقلوا إلى منزل جيراننا بعد الخطر الذي أصاب البيت. في اليوم التالي طالب الجيش الناس بالإخلاء القسري من المنازل، كانت هذه الفرصة الوحيدة لإجلاء والدي وعائلتي إلى مكان أكثر أمنًا.

إعلان

انتقلوا إلى منزل خالتي بمخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، أما والدي فقد تم نقله إلى المستشفى، كان لا يستطيع المشي؛ لأنه مصاب في كافة أنحاء جسمه، نتيجة سقوطه بين الركام جراء القصف الإسرائيلي. وبما أنه من الرفاهية بمكان نقله بسيارة إسعاف، فقد حمله شباب من مخيم جباليا وساروا به إلى مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، حيث تم إجراء عملية جراحية له، ولا يزال يتلقى العلاج الآن بالمشفى.

وقبل أن نشعر بقليل من الراحة وصلت الأخبار من المشفى بأن جيش الاحتلال سيطر عليه وطرد النازحين من داخله، ولا أدرى ماذا سيفعل هذا الجيش في الساعات القادمة.. هذا يجعلني أخشى مرة أخرى على مصير والدي، وأتمنى أن تدعوا له بالشفاء العاجل والسلامة التامة، وأن يفرج الله كرب جميع أهالينا في شمالي القطاع المنكوب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان