شعار قسم مدونات

التركيز على النصف الفارغ من الكأس فرصتك للتغيير!

لا يمكننا أن نعيش في عالم من التفاؤل المفرط فقط ولا ينبغي أن نكون غارقين في التشاؤم (وكالة الأناضول)

كثيرًا ما نتلقى في حياتنا نصائح أو أقوالًا مأثورة يجود بها علينا أجدادنا، نظرًا لتجاربهم المختلفة التي مرّوا بها في الحياة، فتكون بمثابة دروس وعبر نستفيد منها من أجل حياة مطمئنة، لكن مما لا نعيه هو إيماننا بمقولات، ربما تكون خاطئة، قد تكون سببًا في تغيير مسار حياتنا نحو الاتجاه الخطأ.

الاعتراف بمواطن الخلل هو أول خطوة نحو التحسين ثم النجاح، فالكيِّس الفطن ليس من يغمض عينيه عن الجوانب السلبية ويتجاهلها، بل من يتعامل معها بواقعية ويحوّلها إلى فرص للتطوير والتحسين

أذكر لكم مثالًا لموقف حصل معي في أحد المقاهي: كنت جالسًا مع أصدقائي في المقهى، نتحدث حينًا عن الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يمر بها البلد، وحينًا آخر نتحدث عما ينغص حياتنا الشخصية والمهنية من نواقص وسلبيات.. فجأة سمعنا كلمات ترددت على مسامعنا من شخص يجلس وراءنا، يسترق السمع إلى أحاديثنا.

صاح قائلًا: ما هذا التشاؤم كله؟ لِمَ تنظرون إلى النصف الفارغ من الكأس؟ التركيز على النصف الممتلئ أهم، لتعيشوا حياة مليئة بالتفاؤل والإيجابية، وهي إشارة منه ليعرّفنا إلى المقولة المعتادة: "لا تكن سلبيًا تنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس وتشغل نفسك به، بل كن إيجابيًا وانظر دائمًا إلى الجزء المملوء منها"!. حلّ السكوت بعدها، وذهب كل منا إلى حال سبيله.. أخذتني هذه الكلمات، أبحرت بين حروفها أتأمل معناها.

هذه النصيحة المتداولة كثيرًا، تدعونا إلى التركيز في نصف الكأس الممتلئ لنكون إيجابيين، ولتعزيز التفاؤل والرضا في حياتنا.. أن نهتم فقط بالجانب المشرق ونمتنّ لما نمتلكه، أن نقدر النعم والإنجازات التي حققناها. لكن ما نغفل عنه هو أهمية وجود النصف الفارغ؛ فالتحدّي الحقيقي يكمن في قدرتنا على النظر إلى ما ينقصنا، أن نواجه مخاوفنا، أن نصلح عيوبنا، أن نطور شخصياتنا، أن نضع أيدينا على نقاط الضعف والعيوب التي قد تعيق تقدمنا.

إعلان

النصف الفارغ هو مرآة تعكس لنا الفرص الضائعة التي تنتظر من يملؤها بالطموح والعمل، هو الدافع الخفي الذي يحثنا على السعي نحو الأفضل بدل الاكتفاء بما في أيدينا، هو الحافز الذي يجعلنا نسعى لنكون أفضل وأقوى، هو الطريق نحو الكمال لنكون اليوم أفضل من أنفسنا بالأمس.

إن الاعتراف بمواطن الخلل هو أول خطوة نحو التحسين ثم النجاح، فالكيِّس الفطن ليس من يغمض عينيه عن الجوانب السلبية ويتجاهلها، بل من يتعامل معها بواقعية ويحوّلها إلى فرص للتطوير والتحسين.

النصف الممتلئ يحدد لنا الإنجازات والنجاحات التي نحققها، والنعم التي نمتلكها، ويساعدنا على الاستمرار في السعي، لكننا بحاجة أكبر إلى إدراك نصفها الآخر لنتحرك ونتساءل، ونعرف إلى أين نتجه

في الحياة، لا يمكننا أن نعيش في عالم من التفاؤل المفرط فقط، ولا ينبغي أن نكون غارقين في التشاؤم، وعندما نركز في النصف الفارغ لا يعني أن نزرع الإحباط وننشر السلبية، بل هي دعوة للنقد الذاتي والوقوف على الأخطاء وجوانب القصور في حياتنا، للبحث عن الحلول وسبل التحسين.

ومن الضروري أن يتم النقد بشكل متزن؛ فالوقوف على السلبيات دون التفكير في الحلول قد يؤدي إلى الإحباط، كما علينا أن نكون في موقف الباحث عن الحلول لا المشتكي من المشاكل، حتى يكون الهدف دائمًا هو السعي إلى التطوير والتحسين.

إن النصف الممتلئ يحدد لنا الإنجازات والنجاحات التي نحققها، والنعم التي نمتلكها، ويساعدنا على الاستمرار في السعي، لكننا بحاجة أكبر إلى إدراك نصفها الآخر لنتحرك ونتساءل، ونعرف إلى أين نتجه. لهذا، إن التركيز في النصف الفارغ لا يعد تشاؤمًا، بل رؤية واقعية تدفعنا نحو التحسين، هو طريق لإدراك ما ينقصنا والعمل على سد الفراغات من خلال الاجتهاد المستمر، هو فرصة للتغيير الحقيقي وسبيل لإحداث التغيير الفعلي الذي نسعى لأجله.

ولأكون أكثر حكمة، النظرة الصحيحة للكأس هي النظر إليها في كلتا الحالتين؛ نظرة شمولية متوازنة؛ فعند التركيز على النصف الممتلئ نقدر النعم والإنجازات التي نملكها، لنشعر بالامتنان والإيجابية، ما يدفعنا لتحقيق الأفضل والعمل بحماس لتحقيق المزيد.. وعند التركيز على النصف الفارغ نتعرف على النواقص والعيوب والأخطاء، ونبحث عن الحلول الممكنة من أجل التحسين والتغيير.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان