وضعت هذا العنوان لنص مقالي، حتى أمسك القارئ من مجامع ذهنه، قبل أن تتشعّب مسارب العرض وتتفرع تبويبات المقال، فنواقل الاستقبال والتفاعل في رأسي مشغولة بـ "جديد" غارات ضاحية بيروت واستهداف حارة حريك، وإعلان حزب الله اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وارتقاب تسمية خليفته!
وقد فرض خروج الحدث البيروتي من مشكاة 7 أكتوبر/تشرين الأول الغزي، أخْذ آصرة الارتباط بين المشهدين بعين التبويب والتمثل، مع استحضار فارق الاختراق، الذي بدأ باستهداف القادة العسكريين المباشرين، وثنّى بتفجيرات "البيجر" المتزامنة، وثلّث باغتيال رأس الهرمية القيادية على مجال السيادة الترابية في الحالة اللبنانية.
يبدأ وجه شبه جديد من حيث توقف رابط اغتيال القائدين؛ فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول عسكري إسرائيلي عالي المستوى توجس الاحتلال من "سيطرة هاشم صفي الدين على حزب الله"، مستطردًا أنه "أكثر تشددًا من حسن نصر الله"
ومن خفايا اللطف أن استحكام الحصار – في الحالة الغزية – تخللته مراكمة الإعداد بالتوازي مع تفكيك الاختراق، فكانت لأواء "العزلة" بساط تحصين، وكان تعوُّد القصف واتصال حلقات عدوانه يقتل الموت في نفس الغزي، ويزيد "الحاضنة الشعبية" تمسكًا بخيار ذات الشوكة، وعضًّا على نهج المقاومة بالنواجذ، كما كان حصر جبهة الميدان في استهداف العدو المحتل، وعدم نقلها إلى الخارج، عاملًا مساعدًا في استقرار بوصلة الرضا السياسي، في نقطة الافتراق التي بدا – في ساعة العسرة – أنها لم تفسد لود الإسناد قضية، على الأقل في الجامع المؤلف، الذي عليه مدار الوحدة في حساب محور المقاومة..
ومما يستوقف من أوجه التماهي والاتفاق بين المشهدين الغزي والبيروتي: "وقع السيناريو على السيناريو"؛ من حيث شكل الاستهداف و"بنك الأهداف" وعلى مستوى معلن الغاية العسكرية الجامعة!
ورغم أن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لم يأتِ اختراقًا داخليًا – كما حدث في حالة اغتيال الأمين العام لحزب الله – فإن توابع ثاني الاغتيالين كانت تنظر إلى توابع الاغتيال الأول في نقطتين: حضور إيران التي استضافت القائد الفلسطيني ليكون اغتياله في عاصمتها، وارتباط اسم القائد اللبناني بنفوذها في حضور ذهني، عززه دخول الجبهة السورية على خط عمليات حزب الله؛ ليكون "ما بعد اغتيال القائد" مشتركًا بين الحالتين، قوض احتمالية استئناف إبرام صفقة التبادل، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، وقلص حظ خفض التصعيد بين حزب الله و"إسرائيل".
ويبدأ وجه شبه جديد من حيث توقف رابط اغتيال القائدين؛ حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول عسكري إسرائيلي عالي المستوى إيجاس الاحتلال من "سيطرة هاشم صفي الدين على حزب الله"، مستطردًا أنه "أكثر تشددًا من حسن نصر الله"، وهي مفارقة تنظر إلى حالة اختيار حركة حماس يحيى السنوار خلفًا لرئيس مكتبها السياسي الراحل إسماعيل هنية، وقد فتح اختيار "مهندس الطوفان" على الاحتلال أبواب انتقاد ساخط وتذمر عريض في الجبهة الداخلية والرأي العام العبري، بحجم الهزة التي تركها قرار الانتقال القيادي الصارخ!
قبيل اغتيال الأمين العام لحزب الله، بدا أن الاحتلال يسعى لاستنساخ ثلاث حالات سوقها لتقديم حربه على المقاومة في غزة: "صورة النصر" و"القضاء على حكم حماس في قطاع غزة"، و"الاجتياح البري" لإسقاطها على جبهة لبنان
وقد تجاوز "وقع السيناريو على السيناريو" عداد الأرقام إلى الضحايا المستهدفين؛ حين ارتقى – سابقًا – 247 شهيدًا لبنانيًا، وأصيب 1024 شخصًا، منهم نساء وأطفال ومسعفون، في غارات استهدفت مستشفيات ومراكز طبيةً وسيارات إسعاف، لتتصل أوجه الشبه وملامح التماهي بامتداد حبل الانتهاك واتصال نزيف الاستهداف!
ولم تقف "آصرة الدم" بين غزة وبيروت عند هذا الحد؛ فبعدما امتزج الدم الفلسطيني بالدم اللبناني في غارات استهداف سابقة ولاحقة (اغتيال عضو المكتب السياسي في حماس صالح العاروري في بيروت 2 يناير/ كانون الثاني 2024، واستشهاد القائد الميداني القسامي حسين النادر، جراء عملية اغتيال يوم 24/9/2024) تحمل لبنان جزءًا من "فاتورة التشفي" يوم 24/9/2024؛ حيث ارتقى 558 شهيدًا وأصيب 1835 جريحًا، في أعنف قصف جوي – في حينه – منذ بدء تبادل إطلاق النار على جانبي الحدود قبل قرابة العام!
ومقابل استشهاد القائدين السياسي والعسكري الفلسطينيين – على ثرى لبنان -، ارتقى قادة عسكريون رفيعون من حزب الله، ذوو مواقع "ميدانية" حساسة، قبل ضربة الاستهداف المؤلمة التي قدمها الاحتلال تصفية لزعيم حزب الله، ولم يلبث الحزب أن أكد إدراك الغارة غايتها، وتحقق المراد باغتيال القائد نصر الله في الهجوم الحربي الهائل!
وقبيل اغتيال الأمين العام لحزب الله، بدا أن الاحتلال يسعى لاستنساخ ثلاث حالات سوقها لتقديم حربه على المقاومة في غزة: "صورة النصر" و"القضاء على حكم حماس في قطاع غزة"، و"الاجتياح البري" لإسقاطها على جبهة لبنان.. لتُبقي التسريبات المتضاربة واتجاه الميدان أبواب الاحتمال مفتوحة أمام القراءات التحليلية السياسية والاستنطاقات السيناريوية العسكرية الدائرة في فلك التصعيد: محدوديته وتوسعه، قبل أن تقف ساعة الحدث عند توقيت "ما بعد اغتيال القائد"، وهي "لحظة سياسية" لها ما بعدها من رد ومن تحول!
انتقل مركز ثقل العمليات العسكرية من غزة إلى بيروت – في معركة طوفان الأقصى – بالتوازي والتزامن مع هجمات صاروخية نفذتها "جبهات الإسناد" داخل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة
وحتى لا تتحول مادة المقال إلى استباق، لا بأس بالعودة إلى نقطة نقل جبهة العمل الميداني إلى الخارج من خلال تدخل حزب الله في الشأن السوري – أو تورطه في الأزمة السورية – وهو حضور لا يمكن عزله عن سابق احتفاء الحزب بالوجود العسكري السوري في لبنان، واستقباله فيالق الجيش السوري المنسحبة من لبنان استقبال الأبطال المنجزين!
وقد كان من تجليات الافتراق بين الحالتين في خط حركة حماس ومسار حزب الله، انتقال قيادة الحركة في الخارج من سوريا، وخروجها من دمشق إلى الدوحة، لما تجلى فارق "المرجعية الأيديولوجية"، لتقضي إكراهات السياسة – لاحقًا – بالاحتكام إلى "تقدير الضرورة بقدرها" لما دعا داعي "وحدة الساحات"، إلى تغليب أولوية المقاومة تحت لواء الجامع، واطراح المفرق جانبًا؛ دورانًا مع مقتضى ظرفية المرحلة ومراعاة لحساسية التوقيت.
وقد أفرز النأي عن هذه السياسة، والازورار عن هذا الاجتهاد حالة "فلتان مشاعر" غلب فيها "الاستدعاء في التوقيت الخطأ" حصافة "الإنصاف الحذر"، رغم إمكانية الجمع بين التحفظ والاعتراف في مكانيهما، وذلك في مشهد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي قاد الحزب في مسيرة سياسية اكتنفها خوض الحزب حروبًا طاحنة مع "إسرائيل"، خرج منها مرفوع الرأس، مشيعًا بتأييد أحرار الأمة، تمامًا كما قاد الشهيد إسماعيل هنية حركة المقاومة الإسلامية حماس على مدى عشرين عامًا تخللها خوض الحركة معارك بطولية سطرت انتصاراتها في حروب حاسمة ظلت "ثنائية الطرف".
الاعتراف تحت سقف المتفق عليه لا يقتضي الإقرار في دائرة المختلف فيه، وتفصيل الموقف على مقاس الظرف فيه مندوحة عن موافقة ساعة العدو في توقيت نشوتها!
انتقل مركز ثقل العمليات العسكرية من غزة إلى بيروت – في معركة طوفان الأقصى – بالتوازي والتزامن مع هجمات صاروخية نفذتها "جبهات الإسناد" داخل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة (الحدود اللبنانية، الخط الأخضر، الضفة الغربية، الجولان السوري) وخارجها (القواعد العسكرية الأميركية، عرض البحر الأحمر) مصيبة أهدافًا عسكرية للاحتلال وحلفائه بالمنطقة.. في ملحمة نقلت "شطر" الموشحة الأندلسية السائر: "سدد السهم وسمى ورمى" من "الغرض الغزلي" إلى "الغرض السياسي".
وقد صادف الإطلاق المدوي قبولًا وترحيبًا في الشارع الشعبي العربي والإسلامي، ليصهر الخلاف المذهبي وتذوب الأيديولوجيا الطائفية أمام "معركة الأمة" لما طوى بساط الظرفية حسابات الأيديولوجيا المفرقة التي تجاوزتها الأحداث، بعدما رحبتها الذاكرة، ليحين أطر المآخذ في سياقها، دون تناسي خصوصية اللحظة الحاضرة وحساسية التوقيت الحالي.. ومن شأن المنصف ألا يجرمه شنآن خصمه على ألا يعدل؛ فيحفظ الغناء مستحضرًا جميل السابقة، ويسجل التثريب غير متجانف لإثم التشفي.
فالاعتراف تحت سقف المتفق عليه لا يقتضي الإقرار في دائرة المختلف فيه، وتفصيل الموقف على مقاس الظرف فيه مندوحة عن موافقة ساعة العدو في توقيت نشوتها!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.