شعار قسم مدونات

خطة الحسم الإسرائيلية وخنق الضفة الغربية اقتصاديًا

فلسطين-الخليل-الظاهرية-زنوتا- 25 أغسطس 2024: آثار الدمار الذي خلفه المستوطنون في خربة زنوتا جنوبي الضفة بعد تهجير أهلها أواخر أكتوبر 2023 (تصوير هيئة مقاومة الجدار الفلسطينية).
جانب من آثار الدمار الذي خلفه المستوطنون في خربة زنوتا جنوبي الضفة بعد تهجير أهلها أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023 (هيئة مقاومة الجدار الفلسطينية)

"الإرهاب" ينبع من الأمل، وليس من اليأس! هكذا تتمحور رؤية "بتسلئيل سموتريتش"، زعيم حزب الصهيونية الدينية، ووزير المالية الإسرائيلي، والوزير في الوقت ذاته في وزارة الحرب الإسرائيلية كمسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية.

وقد وردت رؤيته هذه في خطته لحسم الصراع، وتبناها حزب الصهيونية الدينية كبرنامج عمل، ومن ثم تبنتها الحكومة الإسرائيلية كبرنامج عمل فعلي، دون إعلان رسمي، وإنما من خلال التطبيق الصامت على الأرض، وبالتالي هدف "خطة الحسم" إفقاد الشعب الفلسطيني الأمل بإقامة الدولة الفلسطينية، أو إنفاذ حقوقه الوطنية، وخلق واقع معيشي معقد للفلسطينيين، وتقويض الكينونة الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية.

يحدد سموتريتش سيناريوهات رئيسة للتعامل مع الفلسطينيين، يتمثل الأول في الإبقاء على الفلسطينيين الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد مقيمين في "الدولة اليهودية" بحقوق مدنية وليست وطنية، وكساكنين من الدرجة الثانية

هذا ما يعلنه صراحة المتطرف سموتريتش، حيث قال إن مهمته الأساسية منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى الضم الصامت على الأرض من خلال تشجيع الاستيطان، وتوفير البنى التحتية واللوجيستية المحفزة للتوسع الاستيطاني، وتغيير ملامح الضفة الغربية، مشبهًا الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية في العامين الأخيرين بتغيير الحمض النووي للنظام، بحيث تكون الآثار جوهرية، وعميقة، ودراماتيكية، وطويلة الأجل، وغير قابلة للتراجع.

وخطة الحسم هي إعادة إنتاج للخطاب الصهيوني المؤسس لـ"دولة إسرائيل"، مع إضفاء البعد الديني عليه، حيث يحاول سموتريتش في الترويج لخطته، خلق مقاربات مع روايات توراتية، ومع خيارات "يوشع بن نون" عندما دخل فلسطين في الماضي البعيد، معتبرًا ذاته مكلفًا بأمر مستمد من التراث الديني.

ويحدد سموتريتش سيناريوهات رئيسة للتعامل مع الفلسطينيين، يتمثل الأول في الإبقاء على الفلسطينيين الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد مقيمين في "الدولة اليهودية" بحقوق مدنية وليست وطنية، وكساكنين من الدرجة الثانية. والثاني يتفرع إلى فرعين، يتعلق بالتعامل مع من لا يريد التخلي عن تطلعاته الوطنية؛ فتطرح الخطة خيار التهجير الطوعي، أو التعامل مع الفلسطينيين باستخدام القوة المفرطة و"الحسم" العسكري.

وإنفاذًا لتلك الرؤية المسماة "خطة الحسم"، ومن أجل تسريع إنفاذها، عملت إسرائيل كدولة، في ظل الحكومة الحالية، على جملة سياسات وإجراءات، منها: استخدام القوة العسكرية المفرطة، تسريع الاستيطان، إحداث تغييرات جوهرية في شبكة الطرق في الضفة الغربية، مصادرة الأراضي، إضافة إلى توظيف الأدوات الاقتصادية لتسريع هذه الخطة، وعبر خنق ممنهج للضفة الغربية، من خلال عراب الخطة "سموتريتش" مستغلًا سلطاته التي تمثل فكي كماشة، كوزير مالية، وكوزير مسؤول عن الإدارة المدنية في منطقة الضفة الغربية في وزارة الحرب الإسرائيلية، وبمباركة ودعم من الحكومة الإسرائيلية.

خطة الحسم بدأت عمليًا على الأرض، وبدون إعلان رسمي.. وإمعان إسرائيل في خنق الضفة الغربية، وتقويض مقومات الاقتصاد، وإفقار الضفة الغربية، إحدى الأدوات الإستراتيجية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة الطوعية

وتمثلت الأدوات الاقتصادية التي وظفتها إسرائيل في سبيل إنفاذ خطة الحسم، وخلق واقع اقتصادي متردٍّ، في احتجاز وقرصنة إيرادات المقاصة، والتي تشكل المكوّن الأكبر للإيرادات الفلسطينية، وتحت تسميات متعددة، تارة باسم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، وتارة أخرى باسم مخصصات قطاع غزة، وتارة ثالثة باسم تعويضات لقتلى وجرحى إسرائيليين.

وقد أمعنت في تثبيت و"قوننة" تلك الخصومات من خلال قوانين عنصرية أقرها الكنيست الإسرائيلي، إضافة إلى إغلاق السوق الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية، وحرمان أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من العمل داخل الخط الأخضر، علاوة على حرب الإبادة غير المسبوقة على قطاع غزة، والتي دمرت اقتصاده وبنيته التحتية بشكل شبه كامل، إضافة إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وحصار المدن والقرى والمخيمات فيها، وتدمير البنية التحتية في مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية، وإجراءات السيطرة والهدم في المناطق المصنفة (ج)، بل والتمدد في إجراءات الهدم إلى المناطق المصنفة (ب)، وخلق واقع معيشي قاسٍ جدًا للشعب الفلسطيني.

تُضاف إلى ذلك إجراءات أخرى مكبلة للاقتصاد، مثل: عدم انتظام استقبال عملة الشيكل في البنوك الإسرائيلية، والتهديد بقطع العلاقة البنكية، وخلق مخاطر متعددة أمام آفاق الاستثمار في الضفة الغربية، الأمر الذى أدى الى انكماش الاقتصاد الفلسطيني، وتراجع دورة الأعمال، والناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، إضافة إلى تقليص معظم منشآت القطاع الخاص أعمالها في الضفة الغربية، وما نتج عنه من ارتفاع نسب البطالة، وفقدان مئات آلاف فرص العمل.

في ضوء العرض السابق، فإن خطة الحسم بدأت عمليًا على الأرض، وبدون إعلان رسمي.. وإمعان إسرائيل في خنق الضفة الغربية، وتقويض مقومات الاقتصاد، وإفقار الضفة الغربية، إحدى الأدوات الإستراتيجية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة الطوعية، طلبًا للرزق أو الأمان الاقتصادي والاجتماعي، استكمالًا لفصول خطة الحسم، التي تعتبر تهديدًا وجوديًا للشعب الفلسطيني.

حال اكتمال مزيد من فصول تلك الخطة، حينها ستكون مرونة العمل في التصدي لها محدودة، ولات حين مناص

هذا يتطلب برنامجًا وطنيًا فلسطينيًا، لإفشال هذه الخطة، والتصدي لها، قبل فوات الأوان، مع ضرورة الوحدة الوطنية، وتكامل الكل الفلسطيني في مواجهة هذا التهديد الإستراتيجي، وضرورة إسناد عربي وإسلامي ودولي للقضية الفلسطينية، وتوفير دعم سياسي ومالي من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والحفاظ على الكينونة الفلسطينية، وعبر حراك فلسطيني فاعل، خاصة أن بقاء الوضع الفلسطيني على حاله، ينذر بالأسوأ، مع وجود خطة ممنهجة لنفي كل ما هو فلسطيني، وتقويض فكرة الدولة الفلسطينية، وتهديد الوجود الفلسطيني في أرضه..

وحال اكتمال مزيد من فصول تلك الخطة، حينها ستكون مرونة العمل في التصدي لها محدودة، ولات حين مناص.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان