إن تقييم واقع المرأة من حيث مدى تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة مرهون بواقع البلد المعيش، ومدى استقرار وتطور الأوضاع الثقافية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والبيئية والمهنية والاجتماعية والدينية والصحية، بالإضافة إلى قدرة التشريعات والقوانين والسياسات في البلد المعني على التكيف والمرونة والتفعيل لحماية حقوق المرأة، وتعزيز مساواتها ضمن السياقات المختلفة، وبإمكان الإدارة السياسية داخل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في البلد المعني أن تلعب دورًا جادًّا في مدى تحسين دور المرأة ومكانتها والوقوف بجانبها.
في العقود الأخيرة لوحظ تزايد الوعي الثقافي بأهمية حقوق المرأة ومكانتها في المجتمعات، وقامت بعض الدول النامية بنشر الوعي الثقافي والديني المتعلق بمكانة المرأة وأدوارها الفعّالة في المجتمع.
كيف تعززت مكانة المرأة في الألفية الثالثة؟
تقدمت المرأة في الألفية الثانية والثالثة وتعززت مكانتها بفضل توافر فرص التعليم والعمل مما ساعد على تحسين وضعها الاقتصادي وزيادة دخلها، وتم إصدار قرارات تشريعية تعمل على حمايتها وتمكينها، مثل توفير الحماية القانونية لإعطاء المرأة حقوقها في مجالات العمل المختلفة، كما زادت مشاركة المرأة في الحياة السياسية والتمثيل السياسي وحق التصويت وصناعة القرار، ويعود هذا الفضل للقوانين التي جاء سنّها للحد من التمييز في التعليم والعمل والسياسة، وبعض الدول عملت جاهدة على سن إجراءات وقوانين تحمي المرأة من العنف بأنواعه والإساءة والاعتداءات، وقامت بتحديث العديد من القوانين في الأحوال الشخصية التي تعطي المرأة حقوقها الكاملة في مجال الأسرة، وبعض الدول قامت بتغيير بعض التشريعات والقوانين التي كانت تقف عائقًا أمام حماية المرأة وتوفير الأمان والحياة الكريمة لها.
في العقود الأخيرة لوحظ تزايد الوعي الثقافي بأهمية حقوق المرأة ومكانتها في المجتمعات، وقامت بعض الدول النامية بنشر الوعي الثقافي والديني المتعلق بمكانة المرأة وأدوارها الفعَّالة في المجتمع، والمتتبع للتطور الثقافي والحضاري لبعض المجتمعات يلحظ كيف تغيرت بعض العادات والتقاليد الخاطئة التي تعرقل تحسين وضع المرأة، وأن المرأة أعطيت حقوقًا لم تعهدها من قبل في تلك المجتمعات.
وانتشر التفكير الإيجابي والعقلاني والمنصف تجاه المرأة ودورها في المجتمع بين الفئات المتعددة، واستطاعت الحركات والمنظمات والناشطات النسوية والحقوقية والاجتماعية أن تغير نظرة المجتمع للمرأة وأهمية دورها في تحقيق النمو والتقدم في المجتمعات، ونشطت حملات التوعية في تثقيف المجتمعات بحقوق المرأة ودورها الحيوي في التعليم والاقتصاد والتنمية، وأثبتت قصص النجاح أن نجاح المرأة في تحقيق الاستقلال المادي والاجتماعي ساعد على تحسين حياتها الشخصية وحياة أسرتها، ولعل تحسين حياة عدد من الأسر سيؤدي حتمًا إلى تحسين الحالة العامة في المجتمع، إذا ما استطاعت المرأة الأكاديمية والعاملة والمتزوجة والأم الوصول إلى حالة التوازن والرضا في استيفاء واجباتها ومسؤولياتها بالشكل المرضي.
حتى يعرف أصحاب الثقافة المتلقية كيف يتعاملون مع الثقافة الوافدة التعامل الملائم من دون تهديد لثقافتهم المحلية؛ دأبوا على فهم المعطيات والتحديات الجديدة، وتوسيع آفاق التفكير لديهم ليستوعبوها ويفهموها.
لماذا التمكين مقابل العدالة؟
مما سبق، نرى بوجه عام أن المرأة في الألفية الثالثة سارت خطوات واسعة لتعزيز مكانتها ولنيل مزيد من الحقوق لتوسيع دائرة الإسهام في التنمية المجتمعية وتقدمها. وعلى الرغم من مسيرة الكفاح والنضال الطويلة والمضنية للمرأة لنيل حقوقها وتحسين وضعها أملًا في التربع على عرش الحياة الكريمة، هناك نسبة كبيرة من النساء ما زلن يواجهن تحديات ويعانين من شظف العيش، والجهل، والانتقاص من كرامتهن والتعدي على أمنهن وسلامتهن، وإن كانت النسب متفاوتة من بلد إلى آخر.
اليوم نعيش في عالم التكنولوجيا وتقدم قنوات ووسائل الاتصال البشري على وجه البسيطة، المعلومات فيه تتحرك جيئة وذهابًا بسرعة البرق، وتنمو بالثانية جبلًا عملاقًا، تخترق الأماكن والأزمان، وتمضي خارقة عقول البشر هنا وهناك، تغير وتبدل، تزرع وتجتث، ساعد عالم المعلوماتية على تأثر بعض الدول بثقافات ومعلومات دول أخرى عبر قنوات الإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتم نقل واستقبال أفكار ومفاهيم وآراء تداولتها شرائح متنوعة من جمهور الكرة الأرضية.
وحتى يعرف أصحاب الثقافة المتلقية كيف يتعاملون مع الثقافة الوافدة التعامل الملائم من دون تهديد لثقافتهم المحلية؛ دأبوا على فهم المعطيات والتحديات الجديدة، وتوسيع آفاق التفكير لديهم ليستوعبوها ويفهموها، وتففنوا بطرائق وأساليب تفسيرها، ليعرفوا كيف يتعاملوا معها وفق هويتهم وظروفهم وآمالهم وتطلعاتهم. وخلال التفاعل الاجتماعي بكل أشكاله مع أفراد البلد الواحد ومع بقية أقطاب العالم، تأثر الرأي العام للجمهور المحلي بالأفكار والمعلومات الوافدة، هذا الحراك الثقافي المعلوماتي عبر وسائل التكنولوجيا ساعد إلى حد كبير على التبادل الثقافي عبر الثقافات المتنوعة واتصل الناس ببعضهم بعضا في الفضاء الإلكتروني من مختلف الدول.
في الوقت الراهن لم تعد الحاجة ماسة لتمكين المرأة من خلال العدالة والإنصاف، لأنها حاليا تنعم بوضع مستقر نسبيا، وتجني ثمار الأمهات والجدات عبر كفاحهن الطويل في العقود الماضية.
في كل ثانية وومضة هناك اتصال، وكل اتصال يؤدي إلى إحداث تأثير بدرجة ما أو تغيير في الأفكار والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والاتجاهات، وتقاربت المسافات، وقلّت الفجوات، وفي الوقت نفسه زادت الهوة في بعض المساحات الثقافية بين الدول والثقافات، فتأثير التطور التكنولوجي على البشرية له أبعاد إيجابية وسلبية معًا، وخلال تبادل المعلومات الصحيحة والخاطئة والغامضة والواضحة والمباشرة وغير المباشرة، وفي معترك الخوض ما بين الأفكار الحميدة والسيئة، تنفذ الإشاعات والمفاهيم الخاطئة، وتروج الدعايات المغرضة والمدمرة لبعض الثقافات، والأمل يرنو نحو تطوير قدرات الأفراد لتعزيز ثقافة وسائل الإعلام الرقمية والتقليدية، وتملك مهارات التفكير النقدي.
في هذا السياق، أُعوِّل على أن أداة الحراك الثقافي المعلوماتي عبر الوسائل التكنولوجية لها اليد العليا الآن في تغيير المجتمعات، والإسهام في إرساء معاني العدالة والإنصاف للمرأة على الصعيد القانوني والعملي والسلوكي والأخلاقي والفكري، هذه الأداة تحدث تأثيرًا فعَّالًا ومباشرًا في تغيير المجتمعات، وتلعب دورًا فعالًا في التأثير الثقافي عبر القارات، ومن جملة التأثير تعزيز العدالة الاجتماعية والقانونية للمرأة، لذا أُنادي أقراني من مجتمع النساء بأن التمكين هو الأداة الأمثل في وقتنا هذا لتعزيز مكانتك ونيل حقوقك وإرساء مبادئ العدالة فيما بينك وبين الرجل وحتى بينك وبين غيرك من النساء، لأن طرق تعزيز العدالة والإنصاف حاليا تحدث تلقائيا بتأثير المجتمعات القوية على الضعيفة في عالم مترابط متداخل متشابك يشهد تغيرات لحظية قبل أن نلحظها.
في الوقت الراهن لم تعد الحاجة ماسة لتمكين المرأة من خلال العدالة والإنصاف، لأنها حاليا تنعم بوضع مستقر نسبيا، وتجني ثمار الأمهات والجدات عبر كفاحهن الطويل في العقود الماضية، ولها إسهامات ملموسة في شتى ميادين الحياة، باتت الحاجة ماسة الآن إلى تمكين المرأة نفسها بنفسها على الصعيد الشخصي والعلمي والمهني والنفسي والصحي والثقافي لتحافظ على المكانة التي وصلت إليها، وترتقي لما بعدها، وتكون أكثر قدرة على مواجهة تغيرات الحياة بثبات وكفاءة وثقة، عن طريق تنمية سلوك مؤازر وقيم إيجابية داعمة يعتمدها عادة الفرد الناجح والمُنجز، وعن طريق استكشافها لمواطن القوة بداخلها، وتعزيز عافيتها النفسية والجسدية وصولًا إلى السعادة التي تنشدها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.