لا يستطيع الإنسان أن يعيش منفردا بعيدا عن الناس، وإنما لا بد له من جماعة يعيش معها، ويتبادل معها المنافع والمصالح، ويقضي معها وقت فراغه.
والإنسان العاقل يختار أصحابه من الذين يُعرفون بالخلق الفاضل والتمسك بالدين الحنيف، ويتجنب مخالفة سيئ الخلق، المهمل في عمله، المقصر في أداء واجبه، وذلك لأن الإنسان يتأثر بصديقه ويعرف به.
قد بين الله تعالى ورسوله الحبيب -عليه الصلاة والسلام- صفات من نختاره في حياتنا ليكون جليسنا ومن لا يمكن لنا أن نجعله صديقا.
الصديق الصالح في الكتاب والسنة
أما في الكتاب فهو في قول الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين. يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} (الزخرف: 67-68)
وقول الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} (الكهف: 28)
وفي السنة، يوضح الرسول الكريم في الحديث التالي فائدة الجليس الصالح، وضرر الجليس السوء.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة."
يوضح الرسول الكريم أثر الجليس الصالح، وأثر الجليس السوء، فيقول إن الجليس الصالح فائدته محققة، وهو يشبه حامل المسك، فحامل المسك إما أن يقدم لك هدية مما معه، وإما أن تشتري منه ما تريد، وإن لم يقدم لك هدية، ولم تشتر منه فستجد منه رائحة طيبة، وكذلك الجليس الصالح، فقد تتخذ منه مثلا أعلى لك تحذو حذوه، وقد تستفيد من علمه وثقافته وتجاربه، وقد تعلو مكانتك بين الناس لاتصالك بهذا الإنسان المحترم.
أما الجليس السوء فضرره محقق، وهو يشبه الحداد الذي يعمل أمام النار فإن مجالستك له واختلاطك به يعرضانك إلى شرارة من ناره تحرق ثيابك، أو تشم منه رائحة خبيثة، وكذلك مخالطة قرناء السوء، فقد تتأثر بهم، فتنحرف عن الصواب كما انحرفوا، وإن كنت تتمتع بالشخصية القوية التي تحميك من الانحراف فسينظر الناس إليك نظرة فيها شك واتهام، لأن الصديق مرآة صديقه.
كان الرسول عليه الصلاة والسلام مربيا فاضلا ومعلما ناجحا، فقد بين ووضح أثر الجليس الصالح، وأثر الجليس السوء كما كان حق توضيحه، وترك لنا حرية اختيار الجليس.
فإن الحديث النبوي المذكور يدعونا جميعا إلى مخالطة الأخيار ومعاشرتهم ويلوم من اختار جليسا سيئا وخالطه، لأن مخالطته ليست إلا إضرارا بنفسه.
أقوال السلف
هناك عدة أقوال للسلف ترغب في اختيار الجليس الصالح بدلا من الجليس السوء، منها قول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح،
فإذا رأى أحدكم وُدًّا من أخيه فليتمسك به.
وقول الحسن البصري:
إنّ الصديق الصالح خيرٌ من الأهل والأولاد؛ لأنّه يُذكّر بالآخرة، والأهل يُذكّرون بالدُنيا، ولكلّ شخصٍ من أصحابه نصيب.
الصديق الصالح نعمة عظيمة
إن الجليس الصالح نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان، لأن نبينا الحبيب -عليه الصلاة والسلام- قال:
"إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.."، ولأن الصديق الصالح قد يكون أفضل من الأخ الحقيقي، يتفقد أحواله، ولا يميل إليه لمنفعة أو مصلحة، ويشعر الرجل بالسرور والأمان معه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.