(اندلعت الحرب العالمية الثالثة في عام 2008، استخدمت فيها الشعوب المتحاربة أسلحة مغناطيسية تفوق في خطورتها الأسلحة التقليدية).. هكذا نتذكر مقدمة مسلسل عدنان ولينا الذي انتشر في كافة دول العالم العربي في الثمانينات والتسعينات، وعرفت مسلسلات الأطفال في ذلك الوقت ولازالت بمسلسلات الكرتون، التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر في القناة الوحيدة أو القناتين اللاتي كانت تبث في تلك الدول.
وبعد أن بدأت القنوات الفضائية بالظهور زادت جرعات مسلسلات الأطفال والكارتون المدبلج، وزاد انتشارها وشهرتها، فمن منا ينسى الكابتن ماجد أو جراندايزر أو فولترون وكذلك النمر المقنع وماوكلي وغيرها من مسلسلات الأطفال في ذلك الوقت، ثم ظهرت قنوات متخصصة للأطفال والتي صاحبها موجة جديدة من مسلسلات الكرتون مثل ذلك البطل الذي يريد أن يصير زعيما للقراصنة في مسلسل ون بيس، أو القناص وناروتو وغيرها من المسلسلات الرائعة والشيقة.
لكن ما يجمع بين كل تلك المسلسلات أنها من انتاج ياباني، والتي تعرف عالميا باسم الأنمي تمييزا لها عن مسلسلات الكارتون المنتجة في الدول الأخرى خاصة الأمريكية منها، وأغلب هذه الانيميات تبدأ في مجلات القصص المصورة اليابانية الشهيرة بالمانجا اليابانية وأشهرها مجلة تدعى شونين جمب، وهي مجلة قصص مصورة تنشر أشهر المانجا اليابانية، فتتلقفها استوديوهات الرسوم المتحركة اليابانية ليحولوها إلى أنمي، وتقوم بعدها استوديوهات الدبلجة العربية بترجمتها وتحويلها إلى مسلسلات أطفال تنتشر عبر القنوات العربية خاصة قنوات الأطفال الشهيرة، وهكذا تدور دورة حياة مسلسلات الكرتون كما نعرفها هنا.
قد ينظر العديد من الناس إلى هذه المسلسلات بنظرة دونية وتفكير قاصر على أنها رسوم متحركة للأطفال، لكن ما يخفى عن الجميع أن هذه الأنيميات وكذلك المانجا لها تأثير كبير جدا في تربية وثقافة المجتمعات المختلفة، فهي أولا تنقل ثقافة المجتمع الذي يقوم بإنتاجها، وثانيا تقوم بنشر أفكار وأخلاق يريد المؤلف أو الاستوديو أو حتى حكومة ما نشرها بين أفراد المجتمع المختلفة، وثالثا تقوم بتحقيق الربح عبر بيع حقوق هذه المسلسلات والمانجا في مختلف انحاء العالم وبالتالي لها تأثير كبير جدا على اقتصاد الدولة المنتجة (خاصة إذا وجد التسويق الملائم).
إن ما تقوم به هذه المسلسلات لهو دور خطير جدا من التوجيه الفكري المنظم نحو ثقافة الدولة المنتجة، وقد حققت اليابان عبر نشر هذه المانجا والأنيميات الكثير من الاختراقات للمجتمعات المختلفة خاصة منها غير المنتجة لمثل هذه الأشياء مثل مجتمعاتنا العربية وذلك بطريقة ناعمة وهادئة، ويكفي لتعلم مقدار هذا التأثير أن تقوم بالدخول إلى اليوتيوب وتبحث عن القنوات التي تقوم بنشر الانمي والمانجا وتحليلها والتعليق عليها وعمل تصورات مختلفة لمستقبل مسلسلات الأنمي لتجد المئات من هذه القنوات باللغة العربية والالاف باللغة الانجليزية وغيرها من اللغات، خاصة أن معظم هذه الأنيميات تصدر حلقة أسبوعية واحدة فقط، وبعضها يستمر لسنوات طويلة، مثل أنيميات المحقق كونان وون بيس وناروتو بأجزائه المختلفة وأيضا المسلسل الحديث المشهور عربيا باسم الهجوم على العمالقة.
ما يميز هذه المسلسلات خاصة في الوقت الحالي هو جودة الرسم، وتنوع مواضيعها وأفكارها وتماسكها من حيث القصة والرسم والاخراج والتحريك، لتكتشف أن هناك جيشا من العاملين في هذا المجال من كافة الأطياف، وهو بحد ذاته رافد اقتصادي مهم جدا لليابان، حيث يكفي أن تعلم أن اليابان تنتج حوالي 200 انيمي في العام الواحد لتعلم مدى قوة وسطوة وانتشار هذا المجال، وليست اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنتج الأنمي والمانجا، حيث تقوم معظم دول العالم بإنتاج مسلسلات الكرتون الخاصة بها، وحاليا بدأت الصين وكوريا الجنوبية بمنافسة اليابان ببعض المسلسلات لكنها لازالت متأخرة عنها حاليا، وربما نرى هذه الدول في القريب العاجل تهدد عرش اليابان في عالم الأنمي.
وبالنسبة للدول الأوروبية فلديها انتاجها من هذه المجالات لكن انتشارها قليل ولا تجد نفس الرواج الذي تجده المانجا والانمي الياباني، وربما نذكر منها تان تان وباباي والنمر الوردي، أما الدولة التي تملك قصب السبق في المجال وتشتهر بقوتها الناعمة على مستوى العالم ككل هي الولايات المتحدة، والتي امتلكت شخصياتها التي احتلت قمة الشهرة العالمية دون منازع مثل شخصيات والت ديزني أو الشخصيات الخارقة لمجلات مارفل ودي سي التي يعرفها كل طفل حول العالم.
ما يميز التجربة اليابانية مقارنة بكل التجارب الأخرى هو تنوعها وثراء الافكار، وجودة الرسم والتحريك، كما أنها أرخص سعرا مقارنة بالمسلسلات الأمريكية المنافسة لها من حيث الجودة وثراء الأفكار، لذلك يكون انتشارها أكثر وأسرع، كما أن وجودها على شكل قصص متواصلة يجذب لها جانب التشويق حيث يرتبط المتابع مع أبطال المسلسل لمعرفة أسراره فتجد من يتابع كونان يستمر بالتحليل لمتى سيعود لشكله الطبيعي ومن هم أعضاء عصابة الأشرار، وستجد متابعي الهجوم على العمالقة يتابعون من أجل معرفة سر هؤلاء العمالقة وكيف ستنتصر البشرية عليهم، أما أنمي مثل ون بيس فهو يحتوي على العديد من الأسرار والأحداث والشخصيات التي تجعلك تتابعه لمعرفة ما سيحدث لأبطال العمل خلال رحلتهم للبحث عن الكنز.
حتى نعرف مدى شهرة وتاثير هذه المسلسلات يكفي أن ندخل لمحل ألعاب للأطفال وسنجد أن معظم الألعاب الموجودة مجسمات أو مشتقة إما من مسلسلات الأنمي والمانجا، أو من الكوميكس الأمريكية، وسنجدها الأكثر رواجا وانتشارا لدى الأطفال، للأنمي والمانجا اليابانية عيوب كثيرة جدا ربما تحتاج لمقالة كاملة لشرحها منها على سبيل المثال لا الحصر نظرتهم للحياة والموت والآلهة والتي تنبع من دياناتهم المنحرفة، وكذلك شيوع الانحلال الأخلاقي المرتبط بواقع الدولة المنتجة، لذلك فإن معظم المنتج غير ملائم لثقافتنا وبيئتنا العربية والإسلامية، وهذه العيوب على سبيل المثال لا الحصر هنا.
لذلك فإن ما نحتاجه الآن هو وجود شخصيات عربية تحمل ثقافتنا العربية والإسلامية، وتأريخنا وأفكارنا ورؤانا وأخلاقنا، وحقيقة فإننا نمتلك المؤلفين والرسامين المتميزين في هذا المجال، كما نمتلك العديد من الأفكار التي نجحت بعض التجارب العربية في نشرها رغم الصعوبات، لكن تنقصنا عوامل أخرى يجب الحصول عليها مثل تعلم التحريك والمونتاج والمؤثرات، كما أن ما ينقصنا فعلا هو التمويل المادي المناسب والمستدام لمثل هذه المشاريع حتى تحقق الهدف الذي وضعت من أجله، ويجب أن نضع في الحسبان أن قيمة مثل هذه المسلسلات المعنوية أكبر من قيمتها المادية بكثير. ويكفي أن نعلم أن استوديوهات والت ديزني قد حصلت على دعم من الحكومة الأمريكية خاصة خلال الحرب العالمية الثانية من أجل انتاج أفلام تنشر الثقافة الأمريكية وكانت أكثر شخصية كرتونية شاركت في هذه الحرب هو دونالد داك والمشهور في عالمنا العربي باسم بطوط.
إننا نحلم بيوم نرى فيه شخصية عربية تنتشر عبر العالم حاملة ثقافتنا وقيمنا الأصيلة، وعندما نذهب لأي مكان في العالم نجد لها أثرا ولو في مجلات أطفال خارجية أو محلات الألعاب الخاصة بأطفالهم كما استطاعوا التأثير على أطفالنا، نقطة أخيرة: بعكس الشائع في العالم العربي، فليس شرطا أن تكون مسلسلات الرسوم المتحركة موجهة للأطفال، بالعكس فأغلب هذه المسلسلات تنتج للمراهقين وأحيانا البالغين أيضا، ولذلك نجد لكل مسلسل أنمي تصنيف عمري خاص به، وللأسف فإن قنوات الأطفال العربية لا تلتزم بهذا التصنيف ولا تنوه به على الأقل قبل بدأ الحلقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.