شعار قسم مدونات

موقف محرج مع أحمد خالد توفيق

blogs أحمد خالد توفيق

هل علي أن أشعر بالحرج أني لم أعرف الدكتور أحمد خالد توفيق إلا عندما توفي قبل سنتين من الآن؟يومها فتحت حساب فيس بوك لأجد الحائط قد تحول كله لمرثيات لهذا الرجل، بكثافة لم تترافق مع موت أي شخصية عامة أخرى من قبل، سياسية كانت أو دينية أو أدبية. وأثار إعجابي قدرة كاتب على التأثير بالناس، وبالشباب خصوصا، لهذه الدرجة، وأثار عجبي أن قراءاتي لم توصلني له بعد! ربما بسبب "مصريّة" كتاباته، في الروايات والمقالات خصوصا، والتي جعلت انتشاره في مصر كبيرا، بينما كنا نحن غير المصريين بعيدين عن كثير من المواضيع التي يتطرق إليها، فمعظم الأصدقاء الذين رثوه كانوا مصريين بالفعل.

منذ ذلك اليوم وضعت في بالي أنني يجب أن أقرأ له شيئا ما، لكنني لم أتمكن من تحقيق هذه الخاطرة، إلا قبل شهر من الآن، حين ورطني أحد الأحبة بقراءة قصة من قصصه "حب في أغسطس"، فوجدت نفسي أثناء قراءتها تارة أضحك، تارة أبكي، تارة أهز رأسي منتشية بالتعابير الأدبية الرقيقة، تارة أرفع حاجبي مندهشة للمعلومات التي يسردها. على صغر حجم القصة كادت أن تكون عملا متكاملا بجمعها لكل عوامل النجاح هذه، الأدب، المعلومة الدسمة، التسلية، القيمة الأخلاقية و و و…

إعلان
المهم أن الوقت الآن لم يعد يسمح بالكثير من القراءة، ففي حياة المرء الكثير مما يجب أن يفعله غير القراءة، لذا صار علي اختيار الكتب بشكل نوعي، ولم يعد من الحكمة المجازفة باختيارات عشوائية لمجرد أنها موجودة في خزانة أبي

إنه محقون إذن! فأنا أمام قلم من نوع خاص، يفرض نفسه على كل قارئ، ويكاد يستحيل أن يقرأ له المرء دون أن يترك نصُّه فيه أثرا. في اسطنبول، قبل أسابيع، طلبت من البائع في المكتبة أن يدلني على رف كتبه، وكانت معظمها قد نفدت بالطبع، فابتعت كل ما وجدته له، خمسة كتب ربما، خطفت منهم أمي رواية "في ممر الفئران"، بينما شرعت أنا في قراءة كتابه "الغث من القول"، وهي تجميعة لعدد من المقالات التي اعتبرها هو "أغث" ما كتب. إن جودتها جعلتني أتطلع لقراءة ما اعتبره هو أفضل ما كتب! أقرأ ببطء بالطبع، عددا قليلا من الصفحات كل يوم، أما أمي فتكاد تنهي الرواية الضخمة. إنها لا ترد على كلامي معها عندما يكون الكتاب بين يديها، ولذا لم أحتج لسؤالها عن رأيها فيه.

أذكر في معرض من معارض الكتب في برلين، ابتاعت زائرة من معارفي كتابا لا بد أنه كان شهيرا، لكاتب لا بد أنه كان شهيرا أيضا، ولكنني للأسف، لا أذكر اسم الكتاب ولا الكاتب. وعلى اعتبار أنني بدوت لها "مثقفة"، فقد وجدت نفسها تبرر على استحياء جريمة أنها لم تقرأ هذا الكتاب المهم حتى الآن، فأجبتها بأن جريمتي أكبر، فأنا لم أسمع به حتى الآن! هل كان علي أن أشعر بالحرج أيضا؟

أعترف أنني لست قارئة نهمة، على عكس ما يفترض فيّ كثيرون، لعلي كنت كذلك في الثانوية، يومها أمضيت الكثير من الوقت في قراءة كتب غير مشهورة لكُتاب غير معروفين بالمرة! هل سمع أحدكم عن كتاب "الجندي الطيب شفيك وما جرى له في الحرب العالمية"؟ لقد كانت رواية من جزئين فوق الألف صفحة، أو هذا هو ما تقنعني ذاكرتي به الآن، المهم أنه كان عددا مهولا من الصفحات، قرأتها أثناء تحضيري لامتحان الثانوية. هل يشعر أحدكم بالحرج أنه يسمع بها للمرة الأولى؟ليس على أحد ذلك، فهي بالفعل ليست مشهورة، ولم تكن ممتازة، لكنني أذكر أنها كانت مسلية، وإلا لما كنت تحملت قراءة ذلك العدد المهول من الصفحات، والذي لا أذكره الآن، إلا لو اعتبرنا أن الهرب من الدراسة عاملا مهما في جعل الكتب غير الدراسية الرديئة تبدو جيدة.

إعلان

المهم أن الوقت الآن لم يعد يسمح بالكثير من القراءة، ففي حياة المرء الكثير مما يجب أن يفعله غير القراءة، لذا صار علي اختيار الكتب بشكل نوعي، ولم يعد من الحكمة المجازفة باختيارات عشوائية لمجرد أنها موجودة في خزانة أبي، والوقت الآن لم يعد يسمح بقراءة كل تلك العناوين المعروفة لأسماء معروفين، والتي من المفترض أن أشعر بالحرج أنني لم أقرأها حتى الآن. في الحقيقة إنني لا أشعر بالحرج على الإطلاق، ربما هو شعور بالغيظ. ذات الشخص العزيز الذي ورطني بقراءة القصة الأولى لأحمد خالد توفيق، قال لي نصيحة ذهبية: المهم أن تقرأي ما تحتاجين، لا ما تريدين!

نصيحته ساعدتني جدا في تقبل حقيقة أنني سأموت قبل أن أتمكن من قراءة كل الكتب التي أشتهي قراءتها، وهنا نعود لمسألة الأولويات مجددا. هل تشعرون أنني أقول أي شيء مفيد لكم؟ لا يوجد فكرة واضحة أريد مشاركتها، لكنه مجرد استرسال في الخواطر.

قد ينفع الخروج بثلاث أفكار رئيسية:
أولا: اجعل أولويتك أن تقرأ ما تحتاج، وهذا يعني "مجال تخصصك"، وأنا أعرف أن ذلك ليس مسليا جدا، ولكن ليس كل مفيد مسلي.
ثانيا: لا تشعر بالحرج من تفويتك لعناوين مهمة، فقراءاتك المختلفة عن الآخرين تصنع منك بصمة مختلفة في فكرك، وهو اختلاف يُغني. (أعتقد أنني سبق أن قلت هاتين النصيحتين في مكان ما)
ثالثا: اقرأ لأحمد خالد توفيق، ففي كتاباته ستجد ما يسليك، وستجد بالتأكيد الكثير مما تحتاجه. وهذه نصيحة أنا متأكدة أنني أقولها للمرة الأولى!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان