شعار قسم مدونات

الأمن الغذائي والدوائي.. هل البحث والتطوير مهم لذلك؟

blogs مختبر

قبل أن تسعى أي دولة لتحقيق الرفاهية لشعبها فإن عليها أولوية توفير الغذاء والدواء والأمن، فلا يوجد فائدة من الترفيه إذا كان الشعب لا يجد قوته، أو لا يضمن دواءه، أو يكون أمنه مرتبطا برحمة عدو أو صديق. لذلك فإن أولوية الفرد في أي دولة لتوفير هذه الأشياء الثلاثة له ولأسرته قبل أن يفكر في أي أمر آخر. وهذه المتطلبات الأساسية الثلاثة هي الأولوية المطلقة لكل دولة أو حكومة. وهو ما ناقشه عالم النفس إبراهام ماسلو في نظريته الخاصة والمعروفة بهرم ماسلو.

وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في حديثه الجامع (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا). وبعد توفر هذه الأشياء يستطيع الإنسان التفكير في أمور غيرها ويتطلع لأهدافه المختلفة مثل العمل اللائق والبيت الواسع والترفيه، حتى الوصول للإبداع والتقدم العلمي والتقني. ما أجمل أن يكون لدينا أهداف كبرى لتحقيقها، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ولكن لا يكفي وجود الهدف لكي نبني على أساسه خططنا المستقبلية، بل يجب أن يكون الهدف من الأساس مهم وقابل للتنفيذ.

والحديث عن هذه المواضيع سهل وجميل، لكن التنفيذ صعب جدا، لذلك يحتاج لخطة طموحة بتوقيت زمني مناسب وفريق عمل كاف من ناحية العدد والمؤهلات والكفاءة. وحتى نستطيع تحقيق وقياس مدى الإنجاز والتقدم في العمل فيجب تقسيم الهدف الكبير إلى أهداف أصغر وتجزئة الخطة الرئيسة لخطط فرعية، يقوم بتنفيذ كل خطة فرعية فريق عمل محدد، ويمكن حساب نسبة الإنجاز بعدد الأهداف التي تم إنجازها ضمن الهدف الكبير.

إعلان
دور البحث والتطوير في تحقيق الأهداف
عندما ظهر فيروس كورونا، بدأت الدول في إجراءات الوقاية بالحجر الصحي والحد من السفر ومراقبة المسافرين وعزل المشتبه في إصابتهم، وكل هذه إجراءات دفاعية جيدة ومقدرة، لكن الإجراءات الهجومية كانت عبر البحث العلمي والسعي لتطوير طرق لتشخيص المرض

في كرة القدم يتكون الفريق من أحد عشر لاعبا، يقوده مدير فني وفريق مساعد، ويتم تقسيم اللاعبين حسب خطة محددة ومدروسة حسب المهمة المطلوبة منه، وهل ستكون هجومية أو دفاعية، وتقع على عاتق المدير الفني تحديد الخطة المناسبة لكل مباراة، وهنا تبرز أهمية قيادة الفريق والتخطيط المسبق والتدريب المتكرر على هذه الخطة. وما إن تبدأ مباراة كرة القدم حتى يسعى كل فريق لبسط سيطرته على المباراة وتنفيذ خطته التي تدرب عليها، وعند وجود صعوبات في التنفيذ والسيطرة أو التأخر في النتيجة، فلا بد من وجود بدائل لاستعادة المبادرة والعودة للمباراة، وهذه مسئولية المدير الفني في الفريق..

وينطبق على فريق البحث والتطوير ما ينطبق على فريق كرة القدم، من الحاجة لفريق متكامل لتنفيذ المهمة، وقائد محنك داخل الفريق يضبط إيقاع اللعب، وقائد أعلى يقوم بوضع الخطط والتوجيه لتنفيذها، أو تغييرها حسب متطلبات العمل، ولذلك تتميز فرق البحث والتطوير بأنها أول فرق يتم تشكيلها وتجهيزها (في الدول المتطورة) عند ظهور مشكلة جديدة أو الحاجة لتحقيق هدف جديد أو تطوير شيء قديم.

وما إن تبدأ في تنفيذ الاستراتيجية الكبرى للأهداف، وخطط إنجاز هذه الأهداف، حتى تواجهك تحديات كبيرة ومتعددة لم تكن في الحسبان، من هذه التحديات ما يمكن تجاوزه بناء على خبرة الفريق أو بتكنولوجيا يمكن توفيرها لحل هذه المشكلة، ومنها ما لا يمكن حلها إلا بطريقة مبتكرة وعبر اجراء تجارب مختلفة للتطوير والتحسين واعتماد طريقة مناسبة كالتجربة والخطأ وغيرها من تجارب البحث العلمي، لتحصل في النهاية على طرق مبتكرة لتحقيق الهدف صغيرا كان أم كبيرا.

ويحتاج البحث والتطوير لتوفير فريق عمل مؤهل مناسب حسب طبيعة الهدف، كما يجب توفير الأجهزة والآلات المناسبة للتجارب وليس بالضرورة أحدث التكنولوجيا (بالرغم أنه كلما كانت الأجهزة أكثر تطورا كلما كانت النتائج أسرع وأدق وأفضل)، وإنما يكفي أجهزة مناسبة للهدف المطلوب، فلإجراء تجارب على الفطريات والبكتيريا مثلا ليس بالضرورة أن توفر مجهر الكتروني من أحدث طراز، وتكفي المجاهر العادية، وهذا على سبيل المثال فقط. إن وجود إدارة البحث والتطوير في أي مشروع يساعد في حل المشكلات التي تواجهه، ويمكن أن يقود لابتكار طرق ومنتجات إضافية لم تكن بالاساس موجودة، كما أنه الطريقة الأفضل للتحسين المستمر لأي مشروع ولا بد من وجود فوائد مستمرة من البحث والتطوير طالما استمر التخطيط السليم لتحقيق الهدف.

إعلان
تنفيذ المشاريع الكبرى

عندما ظهر فيروس كورونا، بدأت الدول في إجراءات الوقاية بالحجر الصحي والحد من السفر ومراقبة المسافرين وعزل المشتبه في إصابتهم، وكل هذه إجراءات دفاعية جيدة ومقدرة، لكن الإجراءات الهجومية كانت عبر البحث العلمي والسعي لتطوير طرق لتشخيص المرض بصورة سريعة، وكذلك بدأت المعامل والشركات العامة والخاصة بالبحث عن طرق علاجية وأيضا لقاحات لهذا المرض الخطير، وقد رصدت لذلك مليارات الدولارات في الصين وكندا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى إضافة لمنظمة الصحة العالمية من أجل مكافحة المرض وابتكار لقاحات له، وهو ما يدل أهمية البحث والتطوير في تحقيق الأهداف، ونرجو من الله أن يتم ابتكار علاج أو لقاح سريع لهذا المرض لأن انتشاره بصورة وبائية سيكون بمثابة كارثة كبرى على العالم كله تهون بجانبها كوارث الطاعون في القرون الوسطى.

في كل دول العالم، توجد مشاريع كبرى، وهذه المشاريع تكون ضمن أولويات الحكومات، فإذا كانت الأولوية ضمن الغذاء والدواء والأمن، فهم يركزون عليها، وإذا كان هناك اكتفاء من هذه النواحي تجد مشاريع الرفاهية للمجتمع والمشاريع المستقبلية مثل مشاريع الفضاء والطاقة النووية وغيرها. وعندما يترشح فرد أو حزب أو جماعة في انتخابات حرة فلا بد من وجود أهداف وبرنامج انتخابي يستهدفون تنفيذه، وكذلك هناك خطة عمل لتنفيذ هذه المشاريع، وهذه ما تسمى بالوعود الانتخابية والتي على أساسها يختار الناخبون الفرد أو الحزب المناسب لهم، ويتم محاسبة من تم اختياره على ما نفذه من مشاريعه التي وعد بها. ولأن المشاريع الكبرى تحتاج لزمن طويل لتنفيذها، فإن المشاريع الاستراتيجية تستمر مهما تغيرت الجهة الحاكمة، ولا يهم حصول تغيير في الحاكم، لأن الهدف خدمة المجتمع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان