شعار قسم مدونات

بين الخوف من نشر الشائعات والرعب من كارثة صحية!

blogs كورونا

اقترب عدد ضحايا فيروس كورونا من الألف ضحية حتى وقت كتابة هذا المقال، وربما تتجاوز الألف وقت نشر هذا المقال، ومن بين الضحايا كان هناك شاب اسمه لي ون ليانغ يبلغ من العمر 34 عاما، فمن هو لي ون ليانغ ولماذا كان أشهر ضحايا الفيروس؟

 

طبيب العيون لي ون ليانغ

في بداية شهر ديسمبر من العام 2019، كان طبيب العيون ومختص الفيروسات لي ون ليانغ يعمل في مستشفى ووهان بالصين. وكان مما استرعى انتباهه ظهور العديد من الحالات المرضية الغريبة، فلم يتعامل مع المرض بصورة روتينية، لكنه بحث عن أصل المشكلة، ليكتشف المفاجأة، قد كان هنالك فيروس شبيه بفيروس سارس الذي انتشر بين عامي 2002 و2003 في الصين وهونغ كونغ وسبب وفاة 774 حالة، وكلف الاقتصاد قرابة ال 40 مليار دولار.

 

فحص الطبيب حالات عديدة، ووجد أن هذا الفيروس موجود لدى 8 حالات، فقام بدق ناقوس الخطر، وأبلغ عن المرض كما نشر تحذيره ضمن وسائل التواصل الاجتماعي وكان ذلك في بادية شهر يناير 2020، لكن شرطة ووهان اعتقلت لي ون ليانغ، واتهمته بإثارة الرعب وحذرته من مغبة نشر مثل هذه الشائعات، وأجبر على توقيع رسالة بأنه تسبب بإثارة الذعر وبالإضرار بالنظام العام! وسكت الجميع عن الحديث عن هذا المرض حتى انتشر بصورة وبائية في ووهان وما حولها، ووقع ما كان يحذر منه الطبيب الشاب.

إعلان

 

في ليلة الجمعة 7 فبراير 2020 يتم الإعلان عن وفاة لي ون ليانغ بنفس المرض الذي حذر منه، لتنتشر قصته في الأرجاء ويصبح في نظر شعوب العالم البطل الذي حذر من المأساة قبل انتشارها، لكن تعامل الشرطة ورئاسة المستشفيات والمؤسسات البيروقراطية حال دون الوقاية من هذا المرض، حتى أصبح وباء منتشرا وكلف الاقتصاد الصيني والعالمي أضعاف ما كلفه سلفه فيروس سارس، وما يقود للتفكير والتحليل هو السؤال الكبير.. من المحق فيما فعل؟ هل كان لي ون ليانغ بتحذيره الأطباء ونشر ذلك عبر منصة ويتشات الاجتماعية؟ أم هي شرطة ووهان التي نظرت للموضوع من منظور إثارة الرعب وتكدير النظام العام؟

   

    

بين الخوف من نشر الشائعات، والخوف من انتشار الوباء.. ما الأفضل للمجتمع؟

بالنظر لما حدث من تعامل السلطات الصينية مع تحذير الطبيب الشاب، يبرز التساؤل السابق.. فالسلطات الحكومية في كل مكان مسئولة عن أمن المواطن واستقرار الاقتصاد واستمرار البناء. وهي تتعامل يوميا مع العديد من الإشاعات الخطيرة والغريبة، ولو نظرت لجميع التحذيرات من موضع الخوف من الكارثة فقط لشهدنا كل أسبوع إنذارا يعطل العمل ومصالح البشر.

 

ومن جهة أخرى فلو كنت تعمل في المجال العلمي كالمجال الطبي واكتشفت مثل هذه المشكلة المحتملة، فما هو التصرف المطلوب منك؟ هل تسكت عن الموضوع حتى ينتشر الوباء؟ أم تتخذ القرار بنشر التحذير حتى تقلل من خطورة المرض والضحايا؟ وهذا ما فعله لي ون ليانغ، ما بين وجهتي النظر يبرز لنا الحاجة لوضع نظام معالجة لمثل هذه المعضلات، فما هي مقترحات مثل هذا النظام؟

 

كيفية التعامل مع المخاطر المحتملة

تمتلك العديد من الدول أنظمتها الخاصة للإنذار والتعامل مع المخاطر المحتملة، سواء كانت بيئية أو صحية أو بشرية، ولكن تحتاج مثل هذه الأنظمة للتعديل حتى يتسنى للجميع التحذير من أي خطر محتمل، وفي المقابل يتم التعامل بجدية مع أي تحذير وتحليله، والتعامل مع درجته حسب الخطورة، لو أن هناك نظام واضح للإنذار لما اضطر الطبيب لمراسلة زملائه الأطباء عبر منصة ويتشات ولاستطاع إبلاغ الجهة التي تتعامل معه بصورة صحيحة. وهذه الجهة لابد أن يكون لها القدرة على التعامل بسرعة شديدة وكفاءة مع مستوى التحذير، وتحديد ما إذا كان فعلا خطر حقيقي أم لا.

إعلان

 

يجب على الجهة المناط بها التعامل مع التحذير أن تمتلك الكفاءات العلمية والأجهزة المناسبة للتحليل والانذار والمعالجة السريعة لو كان الخطر حقيقيا، وهو ما كانت تمتلكه الصين حقيقة وقت نشر التحذير، حيث امتلكت الكوادر البشرية المؤهلة، والأجهزة والمعدات، وحتى القدرات على عزل مدن كاملة، وهو ما فعلته لاحقا.

     

  

مشكلة الصين هنا، ومشكلة العديد من دول العالم ليس في المقدرات الفنية والتقنية أو حتى المالية، لكن المشكلة في نظام التعامل الرشيد مع تحذير من هذا النوع، حيث كان تعامل الشرطة روتيني وغير مسئول، وهو ما يذكرني حقيقة بما تفعله بعض مراكز الشرطة حين يسعف أحدهم مريضا أو مصابا لمستشفى فيكون تصرف الشرطة أن تحجز المسعف احتياطيا بتهمة أنه الجاني المحتمل، حتى أصبح العديد من الناس يخافون من التصرف بشهامة في مثل هذه الظروف، ويتساءل الجميع بعدها، لماذا اختفت المروءة؟

   

إن الموضوع شائك، ولو كنت مسئولا عن مجتمع كامل فسوف تجد صعوبة باتخاذ قرار سريع وصائب بمثل هذه المواقف طالما لا يوجد لديك نظام واضح للتعامل مع هذه الظروف الاستثنائية. ويحتاج هذا النظام لتجميع خبراء من العلماء والامن والقضاء والاعلام وغيرها من الجهات المعنية، يتم نقاش كل احتمالية، وكيفية التحذير منها للجهات المعنية بسهولة ويسر من قبل أي مواطن، وكيفية التعامل مع التحذير وتحليله بسرعة وكفاءة، واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح، ولو فعلنا ذلك لقللنا من الضحايا، دون إثارة الرعب من أي انذارات كاذبة.

 

نقطة جانبية: في اعتقادي أن كل الأنظمة واللوائح في كافة أرجاء العالم توضع لتسهيل الحياة وحفظها، لكنها للأسف غالبا ما تفعل العكس.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان