مع اشراقة شمس صباح يوم جمعة الخلاص وقبل ساعات تمر كالسنوات ثقيلات طويلات، جلست أكتب كلمات تجيش في صدري وتملك علي نفسي، فقد انشغل الفكر وانجذب البصر وتطلع الفؤاد لمصر وهي تعيش سويعات ما قبل المخاض، مخاض عسر وولادة هي أقرب إلى القيصرية، ميلاد يوم تبيض فيه وجوه المظلومين المكلومين وتسود وجوه الظالمين الجبارين، يومٍ يُذل فيه اللهُ من جرف الأرض وهجر الناس وسحل ودهس وقتل وظن أنه سيأوي إلى جبل يعصمه، فتأتيه القاسمة ويرجف قبل يوم الراجفة وينبض قلبه نبض الواجفة.
– أشعر أن يوم رحيل السيسي قد اقترب، وأننا يفصلنا عن خلعه من السلطة ساعات أو أيام على الأكثر ولي في ذلك دلائل وقرائن، أسوقها إليك عزيزي القارئ: السيسي أطاح بالكثيرين من مناصبهم في أجهزة سيادية ومواقع حساسة وأسند هذه المناصب إلى أصحاب الولاء له دونما النظر إلى معيار كفاءة أو خبرة، مما أحدث صراع غير خفي بين أجهزة النظام وأدوات الحكم وما التسريبات إلا فيض من غيض للتدليل على ذلك.
– حالة الغضب الشديد التي سادت إثر فيديوهات محمد علي التي فضح فيها بذخ وترف السيسي وأسرته في الوقت الذي يعاني فيه الشعب بكل أطيافه من الغلاء وانخفاض مستوى المعيشة وتردي الخدمات، حتى الفئات المدللة من جيش وشرطة وقضاء شعرت بالغبن الشديد وأنها تتحمل فوق طاقتها لأجل نزوات شخص أذهبت السلطة عقله.
– تضرر طبقة رجال الأعمال حيث تركزت الثروة في يد مجموعة صغيرة هي التي تدير اقتصاد البلاد ولا يؤتون الناس نقيرًا، مما أوجد حالة من الرغبة في حلحلة الوضع لدى رجال الأعمال والذين كانوا عنصرًا فاعلًا في انقلاب 3\7.
– ظهور محمود السيسي على الساحة والحديث عن إدارته لملفات هامة وأنه هو المدير الفعلي للمخابرات رغم حداثة سنه، وكذلك الربط بين محمود السيسي وبين تجار المخدرات في سيناء مما أظهره كرجل مافيا وليس كرجل دولة، وكان لذلك الأثر البالغ على صورة السيسي إذ بدأت تسترجع الذاكرة جمال مبارك ودوره قبل 25 يناير.
– أحداث الجمعة الماضية أذهبت كثيرًا من الخوف الذي كان في القلوب، وصدرت مشهد أن الجيش سيتعامل مع المظاهرات بصورة أقرب للتعامل مع مظاهرات 25 يناير بمعنى أنه سيترك الشرطة تواجه المتظاهرين حتى تنهك ويتدخل هو مرتديًا قميص المنقذ الذي سينقذ البلاد من الغرق في الفوضى.
– اختفاء السيسي من المشهد وعدم ظهوره محاطًا بجنوده وضباطه، حيث جرت العادة في مثل هذه الأحوال والظروف أن يظهر السيسي بين أفراد الجيش مظهرًا قوته متحدثًا بنرة صوت المتحدي قائلًا: (اللي هيقرب من كرسي الرئاسة يحذر مني) وعبارات من قبيل (أنا مش بتاع سياسة) (استخدام القوة الغاشمة)، فاختفاء السيسي ضده وليس في صالحه.
– وزير الدفاع يفكر ألف مرة في أن عودة السيسي تعني الإطاحة به من منصب وزير الدفاع على أقل تقدير، ناهيك عن التنكيل الذي سيحدث به وبأسرته.
– التململ الحادث بين أفراد الجيش خصوصا وقد ظهر قاداتهم كمجموعة من اللصوص ناهبي خيرات الوطن، وقد أشار السيسي إلى ذلك في المؤتمر الذي تحدث فيه عن القصور الرئاسية قبل أكثر من أسبوع حينما أشار أن هناك محاولات لهز ثقة الضباط صغار الرتبة في قاداتهم.
– حالة الإجماع الوطني وعدم بروز تيار بعينه ليتصدر المشهد مما أوجد حالة شبيهة بحالة 25 يناير، فليس هناك فزاعة يمكن أن يستخدمها النظام لتخويف الشعب من الحراك فلن تفلح فزاعة الإخوان أو فزاعة الإرهاب أو الحديث عن نشطاء سبوبة.
– الظرف الإقليمي والعا لمي فداعمي السيسي جميعًا كل غارق في وحله، ترمب يعاني ومهدد بالعزل من منصبه، نتنياهو تلاحقه قضايا فساد ولا يستطيع تشكيل الحكومة منفردًا، الخليج غارق في صراعه مع إيران.
من هذا المنطلق ووفقا لهذه القرائن يتشكل لدي شعور قوي أن أيام السيسي في السلطة معدودة وهذا أمر يحق لنا أن نستبشر به حتى مع يقيننا أننا كشعب لا نملك القدرة على الإطاحة بالسيسي وأن من سيطيح به هو المنظومة الفاسدة حتى تحافظ على مكتسباتها إلا أن بارقة الأمل تلوح في عدم وجود السيسي في المشهد فمن سيتصدر المشهد من بعده يقينًا سيعمل على اكتساب شعبية عبر ترضية الشعب وتسكين غضبه، في الختام حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء وأبرم لها أمر رشد يُعز فيه أهل طاعته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.