الجسدُ مادةٌ فانيةٌ، فكل جسد قَدّره الفناء لاريب في ذلك، لكن البقاء هو للروح فالروح هي تلك الأشياء الجوهرية الباقية الغير محسوسة هي تلك الأشياء التي يرحل صاحبها وتبقى ماكثةً تنتقل بين الضمائر الحية وفقط. الروحُ هي الأفكار الحية المنيرة المؤثرة بشكل إجابي هي القيم والمبادئ هي الأخلاق والمكارم.
الروح هي النزاهة وهي البراءة وهي الشجاعة وهي الإقدام. الروح هي العدل والانصاف والموضوعية هي الحرية وعشقها هي الصدق العدل الكرامة النبل والشهامة. فكيف بالله عليكم تقتل وتختفي هذه الروح؟ وكيف تفنى هذه الأشياء؟ أقتلوا محمد مرسي فهو من المتطهرين فهذا أمر عادي ومنطقي بالنسبة لمن يأبى التطهر والترقي، فالقرى والعوالم الظالمة هذا ديدنها ومنطقها ودأبها أن تقتل أخيارها ومصلحيها وعقولها المدبرة المستنيرة.
قتلتم جسد لكن بقية روحه وهي الأشدُ عليكم وطأةً وعذاباً لكم في الدارين. محمد مرسي الجسد رحل، لكن بقية روحه العطرة النقية المتطهرة بقية خصاله وصفاته الحميدة، وهي ما جعلت كل الخلاق تهب وتثور في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الميادين والساحات المدنية، وليست المعسكرة التي عسكرها الجبابرة والطواغيت، هبت وثارت الشعوب ليس نصرة لجسده الطاهر المقاوم؛ إنما لنصرة روحه، لعدله وكرمه وطيبته، للمصحف الذي في فؤاده وقلبه وعقله قبل أن يكون على لسانه، لإنصافه وكرامته لعشه المديد لكلمة الحرية ولسعيهِ ليراها واقعا، لحبه للعلم وأهله، ولعمله من أجل أن يعيش المواطن بكرامة وإنسانية من أجل أن يعيش المواطن حياة كريمة سعيدة خيرية، ولنصرته للحق، لوقوفه مع الشعب الفلسطيني وخاصةً غزة العزة، لنصرته لأهل الشام في محنتهم ومن ينسى عبارته الشهيرة التي مازالت تطنطنُ في مسامعنا إلى اللحظة "لبيك سوريا"
قتل الجسد لا يعني فناء الروح بقدر ما يعني وقود جديد به تشتعل الهمم التي زارها وخيم عليها الكسل، ولا يعني إلا مزيدا من إثارة الأرواح لتجتمع من جديد على هدف واحد |
محمد مرسي الذي نحسبه شهيدا عند ربه ليس أول من يقتل بأيديكم الملطخة بالدماء الزكية، وليس الأخير أبداً فسلسلة إجرامكم طويلة وممتدة في كل التواريخ وفي كل البقاع، وكأنكم الشيطان ذاته ولما لا؟ وافعلكم شيطانية محضة، المشكل المطروح أنكم وصلتم لقاع الغباء الذي لم يصل إليه من قبلكم أحد. ألم تتعلموا بعد أن قتل الجسد لا يعني قتل الروح، وأن قتل الروح أهم بلايين المرات من قتل الجسد، بل إن قتل الجسد لا يعود على مشروعكم الشيطاني إلا بالخسران والزوال بإذن الله.
ألم تعوا وتتعلموا بعد من تجاربكم البدائية الظلامية الوحشية أن قتل الجسد ما هو إلا مزيداً من الوقود به يشتعل فتيل حركة الروح، ويجعلها تستشري وتنبث في الضمائر أكثر مما كانت، ألم تتعلموا بعد أن قتل الجسد ما هو إلا مزيد من النشاط والحيوية والتوعية للضمائر التي قد سهت ونامت مؤقتاً. ألم تتعلموا بعد أن قتل الجسد ما هو إلا مزيد من شحذ الهمم وتكالب وتظافر الأرواح الحية، وقتل الشهيد محمد مرسي ومن قبله خاشقجي أكبر دليل على ذلك، فلو كنتم أحياء بحق لنظرتم للواقع من حولكم. اُنظروا لمواقع التواصل الاجتماعي كيف أصبحت على قلب رجل واحدٍ ترحماً وحزناً وثأراً على هذه الروح الزكية الصامدة الثابتة من أجل الحق ورايته؟
لو كان قتل الجسد يعني قتل الروح لما وصلت إلينا أي علوم ومعارف، لو كان قتل الجسد يعني فناء الروح لما بقي وانتشر الإسلام، لو كان قتل الجسد يعني قتل الروح لما سمعنا باسم جماعة تدعى الإخوان المسلمين.على البسيطة لا يوجد أغبى من هؤلاء الطواغيت الحكام الذين مزاجهم وهوائهم التبعية المطلقة، والخيانة للوطن والدين أصحاب العقول المعسكرة البليدة، يوم أن كان الإخوان يُعدُّون على الأصابع همّوا حاملي بذور الغباء بقتل: حسن البنا، وسيد قطب رحمة الله ورضوانه عليهما؛ ظناً منهم بأن قتلهم يعني وأد وإخفاء لفكرهم غباء وجهالة وسوء تفكير وبدائية لا غير، فما كان من الله إلا أن كتب لهم أن ذاع وشاع صيتهما في مغارب ومشارق المعمورة، ولم يعد مريدو الفكرة يُعدُّون على الأصابع، بل أصبح إحصائهم صعب المنال فقد تخطوا عشاق فكرهم النير الحضاري أعداد الملايين ولله الحمد والمنة.
هل تعلموا الأغبياء؟! قطعاً لا، وكيف يتعلم الغبي؟ وكيف يختفي الغباء وجنات الغباء تنتقل في نسلهم المشؤوم الملعون من جيل لآخر، فها هم اليوم يكررون نفس الكَرَّة الغبيّة الرجعية: قتل أرباب الأفكار النيرة الراقية المسالمة الشهيد محمد مرسي ومن قبله جمال خاشقجي وغيرهما من الأحرار الشرفاء الأبطال، والقائمة مازالت مفتوحة؛ لأن غبائهم ورحهم الشيطانية أصيلة فيهم ولا ينتفيانِ إلا باختفائهم من ساحة السلطان والقوة، الحق باق ما بقيَّ رب الحق. اقتلوا ما شئتم وهجروا ما شئتم معشر الأحرار مستمرون لن يثني عزائمهم ولن تكسر إرادتهم إجرامكم، بل إن إجرامكم سيعود عليكم وبالاً وبلاءً، وسيزيد الأحرار عزيمة وجلدة على السير في درب الحق.
قتل الجسد لا يعني فناء الروح بقدر ما يعني وقود جديد به تشتعل الهمم التي زارها وخيم عليها الكسل، ولا يعني إلا مزيدا من إثارة الأرواح لتجتمع من جديد على هدف واحد بعدما كادت طرقها تتشتت وتتشعب. قتل الجسد لا يعني إلا إضافة قوة على قوة للروح؛ لتبقى سرمدية خالدة تتلقفها الأجيال جيل عن جيل. قتل الجسد هو حياة وبعث للروح من جديد لا أكثر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.