شعار قسم مدونات

آبار النفط.. كيف ساهمت في الحفاظ على بعض الحكومات وجلبت الفوضى لأخرى؟

blogs آبار النفط

عادة ما تعتمد الدول على مجالات ومقومات اقتصادية مختلفة كالصناعة، والزراعة، والسياحة.. الخ. إلا أن الموضوع مختلف تماماً في الدول المنتجة للبترول والغاز عما هو معروف؛ فغالباً ما تعتمد هذه الدول اعتماداً كلياً على مصادر الغاز والبترول، تسمى هذه الظاهرة بالمرض الهولندي الذي أصاب العديد من الدول حول العالم، مثل فنزويلا. مشكلة الاعتماد الكلي على مصدر دخل واحد قد لا تكون واضحة في البدايات، خاصة إذا وُجد احتياطي ضخم من المصادر الطبيعية وظلت أسعارها مرتفعة.

 

على سبيل المثال، مرت فنزويلا في مرحلة ذهبية أيام الرئيس الأسبق "هوجو شافيز"، حيث ارتفع سعر البترول وانتعشت الدولة ببعض الأموال، الأمر الذي ساعد فتزويلا على النهوض اقتصادياً لفترة وجيزة. لكن لم يتم استخدام هذه الفرصة لتنمية قطاعات أخرى كالزراعة والصناعة، وإنما اكتفت الحكومة بزيادة انتاج البترول والاعتماد عليه. الأمر الذي نتج عنه ركود اقتصادي ضخم وصراع سياسي في فنزويلا بعد هبوط أسعار البترول عالمياً.

 

لو حولنا هذا الموضوع إلى دول الخليج التي تنعم بالرخاء مقارنة بدول أخرى، سنجد أن السبب الحقيقي لعدم تنمية القطاعات الأخرى سبباً سياسياً في الغالب. فطبع الحُكم الملكي المتوارث يجعل حكام هذه الدول يعتمدون على مصادر الطاقة مع معرفتهم لقرب زوالها أو عدم استدامتها على المدى البعيد. حتى أن محاولات هذه الدول لتنويع مصادر دخلها من خلال رؤى اقتصادية بعيدة المدى ليس لها أثراً واضح، فما زالت هذه الدول تخطط لتزويد انتاجها للنفط والغاز الطبيعي وتضع استراتيجيات اقتصادية لتصديرها بكميات أكبر حول العالم.

إعلان

 

تبقى الحكومات في الدولة النفطية أكثر استدامة، ودول الخليج أحد الأمثلة التي ظل فيها الحكم الملكي مستمر لسنين طويلة. حتى لو وُجدت تغيرات سياسية

الفكرة تكمن في دور المواطن في اقتصاد الدولة، فمتى ما ساهم المواطن في القطاع الاقتصادي من خلال العمل الخاص أو دفع الضرائب، أصبح أكثر انجذاباً نحو المشاركة السياسية لضمان حقوقه المُسترجعة. لذلك تقوم الديموقراطيات على المسؤولية المتبادلة بين السلطة والمجتمع، والتي تعمد على تخصيص حق اختيار الحكومة المعنية بإدارة شؤونهم والمسؤولة عن استخدام الضرائب والاستثمارات لتوفير الخدمات اللازمة ودفع عجلة الاقتصاد.

 

في المقابل، سنرى أن السيناريو سيختلف تماماً عند الحديث عن دول الخليج. فمعظم المواطنين يعملون في القطاع الحكومي بدرجة أكاديمية وخبرة أقل مما هو مطلوب في القطاع الخاص. الأهم من ذلك، أن الحكومة هي من تقوم بإنشاء البنية التحتية وتوفير الخدمات العامة للمواطن الغير ملزم بدفع الضرائب. ونتيجة لذلك فإن المواطن لن يهتم بالمشاركة السياسية كما هو الحال في الجمهوريات الرئاسية والأنظمة البرلمانية، خاصة أن الدولة توفر له كل المستلزمات.

 

لكن النعيم الاقتصادي ليس كافٍ لضمان استدامة الحكم، فالدولة أيضاً معنية بإرضاء القبائل التي لها ثقل اجتماعي واقتصادي في الدولة. فمن خلال توزيع المناصب بين العوائل وتمليكهم قطاعات كاملة ومراكز تجارية مهمة في الدولة، تضمن الحكومة الاستقرار الاجتماعي الذي سيضمن تداول السلطة داخل نطاق الأسرة الحاكمة فقط.

   

إحكام القبضة على الحكم في اقتصاد يعتمد كلياً على مصادر الطاقة سيحتاج إلى القمع واستخدام فزاعة الأمن والأمان. فالعائلة الحاكمة في السعودية على سبيل المثال لها السلطة الكاملة على الجهات الأمنية والسلطات الدينية التي تبيح لها كل أفعالها الاستبدادية. ليس هذا فحسب، بل تقوم الحكومة أيضاً بإشعال الفتنة بين مختلف المذاهب الدينية، مثل ما حدث بين القبائل الشيعية والسنية في السعودية، لخلق حالة وهمية من الفوضى المُفتعلة. هذه الفوضى هي بمثابة شماعة تستخدمها الحكومة لعرقلة الحراك الشعبي بحجة الحفاظ على أمن الدولة والمواطن.

إعلان

   

في النهاية تبقى الحكومات في الدولة النفطية أكثر استدامة، ودول الخليج أحد الأمثلة التي ظل فيها الحكم الملكي مستمر لسنين طويلة. حتى لو وُجدت تغيرات سياسية، إلا أنها أثرها يبقى دائماً داخل دائرة العائلة الحاكمة. على النقيض من ذلك تحدث الفوضى في دول نفطية لم يتم تأسيسها على رجعية ملكية قبلية منذ بدء اكتشافها لمصادر الطاقة، فالدول الخليجية قامت وتأسست على اكتشاف النفط، أما الدول الأخرى بنيت على أساس جمهوري أو برلماني سواءً قبل أو بعد اكتشافها لمصادر الطاقة المدفونة في أراضيها مثل سنغافورة، وفنزويلا، والعراق، وليبيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان