حينما عميت أين قوم موسى عن رؤية الحقيقة الجلية أن بينهم نبي مرسل من السماء يأتيه الوحي ويكلمه الله مؤيد من السماء، ضلوا واتبعوا أهوائهم واشرأبت أعينهم إلى ما في يد أهل الدنيا من مغانم فعبدوا العجل واختارت أنفسهم ما هو أدنى على الذي هو خير فكانت عاقبتهم "التيه" حتى يعلم الجميع أن سنة الله في الدنيا أن لترك الحق جزاء من الله في الدنيا قبل الآخرة.
تلك السنة الالهية لم يتعلمها أبناء الوطن ممن قاسوا ظلم أنظمة الدكتاتورية والاستبداد القمعية التي سلطها المستعمر لتحكم بلادنا نيابة عنه بعد أن قرر الخروج –الصريح – بنفسه من آراضي أمتنا ليترك لنا فيها وكلاء عنه، وكلاء رباهم على عينه وبيديه، وحتى يساعد الاستعمار صبيانه وغلمانه فقد قسم أراضي الأمة ووضح الحدود وقسم الدول حتى يختص كل منهم بنصيب هو فيه وكيل ونائب عن مستعمر ما، فتلك هي استراتيجية المستعمر، وسمي هذا المستعمر ما شئت من أسماء، سمه صليبياً أو صهيونياً هندوسياً لكنه في نهاية الأمر محتلاً لأراضي أمه لها ميراث عظيم من العز والمجد، لا يريدون لها أن تستعيده. كل هذا معروف لديكم لا حاجة لتكراره.. أعلم ذلك
لكن ما يدعونا لذكر تلك المقدمة الضرورية في وجه نظري هو أن أبناء تلك الأمة العظيمة لم يتعلموا ذاك الدرس في سعيهم لاستعادة مجد أمتهم الضائع، ولم يستطيعوا أن يستوعبوا ما يحاك لهم من مخططات خبيثة، مؤامرات استهدفت في جوهرها تفرقة النخب والرموز القادرة على تحريك الجماهير ففرقت بذلك تلك المؤامرات التي حاكها المستعمر الشعوب، وجعلت كل منهم يناصب الآخر العداء، وفرقتهم بين ليبرالي ويساري وإسلامي لا لمغنم حقيقي بل لوهم المغانم المحتملة في أغلب الأوقات. فهذا ينكر على ذاك، وهذا يعادي الثالث وينصب له المؤامرات، ويغري الرابع بالخامس ليدخله السجن أو يدعوا للانقلاب عليه وو… الخ
يعتمد المستعمر وغلمانه على سياسة "السيطرة" على النخب في كل تيار فكري معين بحيث يحتفظ بأوراق يستطيع منها ان يوقف تلك النخب عند حدها لو قرر منهم ان يفيق ضميره ويعود إلى رشده |
والحقيقة أن معركتنا لنيل حريتنا في تقرير مصيرنا في بناء أمتنا، في استعادة كرامتنا، في استرداد حقنا في استثمار ثرواتنا. هي ليست معركة بين أحزاب أو تيارات سياسية أو اسلامية بل هي في حقيقتها معركة بين دكتاتورية واستبداد من جهة وبين وطنيين شرفاء وشعوب من جهة أخرى أياً كانت اتجاهاتهم السياسية والفكرية كلاً منهم عاش حلم نهوض وطنه من كبوته وتسأل عن كيفية استراد مجدة وعزه السليب الذي لم يعلم سبب عجزه عن احتلال مكانته اللائقة به من جديد. وكلاً حاول أن يسوق الحل على طريقته وحسب فهمه وخبراته وما قرأ عنه من حلول وأفكار في العالم.
وأياً كان أسم هذا العدو الدكتاتور المستبد سواء أميراً أو ملكاً أو مشيراً أو مجلس عسكرياً أو رئيساً مقعداً على كرسيه المتحرك أو حتى رئيساً قادراً على التبختر والرقص بعصاه فجميعهم عرائس في يد المستعمر، الذي يدبر الانقلابات في فينزويلا ليمنعها من استغلال ثروتها البترولية لصالح شعبها ويصر على أن هذه الثروة هي ملك له هو ولأولاده وليس على أبناء الشعب الفينزويلي إلا الرضوخ لإرادته.
ولنعلم طريق الانتصار في معركتنا علينا أن ندرك بداية الهجمة على امتنا وارادتها والتي كانت حينما استطاع المستعمر أن يخدع بعض من النخب ويسيطر على عقولهم وأفهمهم أن الاسلام ينافي الحرية، وأن النهضة والتقدم هو بتغيرات شكلية في الملبس وأسلوب الأكل والتعامل والاختلاط و…الخ وبذلك استطاع ان يسلخ تلك النخب من هويتها الأصلية، ثم بداء يشكلهم ويضع تلك النخب في تجمعات سمها أحزاباً أو جمعيات لتطالب بما أسماه لهم (حرية) وتركهم يحركون الجماهير المضللة والتي خدعوها بشعاراتهم البراقة، وكانت الحقيقة أنهم ينخرون في عظام امتهم شيئاً فشيئاً حتى استطاع هو أن يقطف الثمرة ويحتل أراضي الأمة بنفسه، وسقطت الدولة العثمانية التي كانت تلملم شمل العالم الإسلامي، وتمت ميراثها إلى دويلات ووضعت الحدود.
وبداء كل أبناء قطر من الاقطار يفكر في كيفية إعادة المجد الضائع بنفسه داخل حدود بلده الضيق؟! ولم يعلم أن فرص النجاح قد ضعفت عندما تشرذمت الأمة، وتفتت ثرواتها وإمكاناتها، فالبلد الغنية بالأراضي دولة، غيرها غنية بأعدادها من البشر والقوى العاملة، وأخرى غنية بثروات باطن أراضيها، و… الخ مما تعلمون. ثم بدأت المرحلة الثانية وهي الاقتتال بين تلك الأقطار بعضها البعض، وبعد أن كان ما بينهم يجمعهم أكثر مما يفرقهم من لغة وأرض ودين أصل، غزى المستعمر عن طريق غلمانه النعرات القطرية والطائفية ثم الحزبية داخل القطر الواحد، حتى أصبحت المعارك لا تقف داخل أبناء القطر الواحد، وأصبحت تجد أبناء البلدان التي يتميز شعوبها بالتسامح وخفة الظل تجدهم يتأمرون لبعضهم وعمت الكراهية بين بعضهم البعض وتعكر صفو الحياة بعد أن كانت ظلاً ظليلا، وراحت راحة البال بعد أن كان التسامح والمحبة هو الأصل والتراث الباقي بين الناس.
في اعتقدي أن جوهر المشكلة التي نعاني منها هو مقدار العوامل السلبية التي أصبحت واقعاً نراه يحيا بيننا ومنها: –
–الانتهازية والطمع الذي وصلت اليه القوى والأحزاب والتيارات فقد أصبح كلا منهم يري أنه أحق بالأمر من غيره، وعليه ألا يترك لغيره فرصة التغيير فضلا عن الحكم والذي لا يمارسه أحد، فالجميع يتم التلاعب بهم من قبل صبيان المستعمر، وبذلك تجد نخب تيار ما يدمرون البلد من أجل اسقاط ابناء تيار اخر من تبه الحكم! على الرغم أن أياً منهم في حقيقة الأمر لا يحكم، والجميع عرائس على قطعة الشطرنج في يد المستعمر وغلمانه.
يجب أن يتعلم كل فصيل سياسي أو تيار فكري أو حزب أو جماعه أنه في طريقه لخوض معركة التحرر الوطني أنه يحتاج لكل فصيل آخر كشريك، وكبديل محتمل أثناء المعركة مع المستعم |
–الخوف من الافتضاح حيث يعتمد المستعمر وغلمانه على سياسة "السيطرة" على النخب في كل تيار فكري معين بحيث يحتفظ بأوراق يستطيع منها ان يوقف تلك النخب عند حدها لو قرر منهم ان يفيق ضميره ويعود إلى رشده، فهذا يعشق النساء وهذا المال وهذا الأضواء و… وللجميع سيديهات (C D) في الادراج لم يفكر في الخروج من سيطرة الممستعمرين. والنماذج ظاهرة للعيان ليس في مصر واوطاننا العربية فقط بل في دول العالم اجمع وآخرها فينزويلا والتي يتم تطبيق تلك الاستراتيجية بوضوح فيها، ونتمنى ان يظل شعبها أكثر وعياً من شعوبنا.
–الضعف وقلة الحيلة وهي من أكثر السلبيات التي تهلك الأمم، فينما يتولى الأمر نخب عاجزة عن اتخاذ القرارات، متأخرة إن اتخذتها، ليس لدها القدرة على إيجاد الحلول والبدائل و……………. والأدهى والأمر من ذلك اعتقادها أن عقارب الساعة لن تتحرك إلا إذا ظلوا في أماكنهم، وان تغييرهم هو جوهر ومعنى الخيانة…؟!! ولا أدري من أين جاءتهم تلك الأفكار التي أنزلوها منزل المعتقدات فقدسوها وعبدوها للناس فعبدها بعض الناس وسكت عنها البعض الآخر من أتباعهم مع الأسف. وليس هذا في اسلاميين فقط بل قبل منهم في اليساريين ومن قبلهم وبعدهم الليبراليين، فالجميع لا يريد الرحيل، وكلهم يعطي لنفسه الفرصة تلو الأخرى ويفشل ثم يفشل، وننتظر تغيير في النتائج رغم أن كل المقدمات هي ذاتها!! كيف ذلك؟
على النخب ومن خلفها الجماهير أن ترفض تغذية العداء بين التيارات الوطنية السياسية في بلداننا فهذا قومي وذاك يساري والثالث ليبرالي والأخير إسلامي، والحقيقة أن الجميع على المقصلة ينتظر دوره ليذبح، على الجميع أن يعلم أن التعايش هو اهم السبل للخروج من الأزمة، وأن الاحترام الحقيقي للآخر هو سبيل النجاة من التيه الذي تحياه الأمة وهو سبيل النجاح في معركة الحرية.
يجب أن يتعلم كل فصيل سياسي أو تيار فكري أو حزب أو جماعه أنه في طريقه لخوض معركة التحرر الوطني أنه يحتاج لكل فصيل آخر كشريك، وكبديل محتمل أثناء المعركة مع المستعمر، تحتاج نخبنا السياسية إلى أن تلفظ انتهازيها ووصوليتها.
يحتاج الجميع أن يعرف أن عدوهم المشترك هو عدو واحد ويسمى كل منهم هذا العدو بما يشاء من مسميات وفق ما يعتقده أو يقتنع به من مترادفات (فاشية أو دكتاتورية أو طاغية أو طاغوت) جميعها مسميات لغلمان المستعمر الذين تركهم يحكمون بلادنا ويلبسون أحيانا ثوب ضابط للشرطة أو عضوا بمجلس عسكري يقود دبابة أو قاض على منصة الحكم يلبس وشاحه أو شيخاً يلبس عمه أو قسيساً يتشح السواد أو إعلامياً يجلس أمام الميكرفون أو الكاميرات أو… الخ جميعهم أعداء لأوطاننا ولشعوبنا. واللافت للنظر ان من وضعهم كما الشيطان هو أول من يتبرأ منهم عند ظهور أول الموجه الثورية للشعوب، بل وحتى قبل ذلك حتى حين تلوح الثورة في الأفق.
إن ما نراه هذه الأيام من حركة واعية للشعوب العربية في سوريا البطلة الصابرة والسودان الفتية والجزائر الأبية بل وحتى صفارات الانذار ونوبة الصحيان وهاشتاجات تطمئنك أنك مش لواحدك. هو باعث على الأمل، وأن الثورة ليست مستحيلة بل هي أقرب إلى المستبدين من حبل الوريد، فقط إذا صبرنا على الصمود متوحدين معترفين بأخطائنا متناسين لذواتنا وأشخاصنا مستبشرين بالأمل لأجيال المستقبل فهم أحق به منا، ونحن أحق بالموت الشريف منهم، وتراب أوطاننا أحق بدمائنا الزكية التي تراق في سبيل نيل الحرية من عجلات وجنازير الدبابات التي يرسلها المستعمر لتكبت أنفاسنا وتجثم على صدورنا.
آن للنخبة أن تفيق من سباتها، وأن تهرول كي تدرك الشعوب التي هي أكثر منها وعيا وجرأة وتضحية وإلا فإن أقدام الجماهير المحتشدة في الميادين المضحية بأرواحها لن تلعن فقط غلمان المستعمرين بل ستلعن تلك النخب المهترئة والقيادات المتكلسة المتشنجة والمتمسكة بلا كراسي ولا مكاسب ولا حياة. فجميعهم عند ذلك سواء من بقايا المستعمر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.