كثيرا ما نسمع بقضية الخبرة أفقية وعمودية، بل لا يكاد يخلو حديث مؤسسي من مسألة الخبرة، وكثيرا ما تعتمد مؤسساتنا على قضية الخبرة من زاوية العدالة الاجتماعية، ومن زاوية النفعية أي أنها الأنفع عملياً. الخبرة مفردة ذات دلالة ممارسية أي أنها تتعلق بأعمال مفعول بها، وكثيرا ما ترتبط بالمؤسسات التي تعتمد على الأرقام ومعطيات لتقييم أفراد العمل، فمعظم المؤسسات تنظر لمسألة الخبرة باهتمام سواءا لعمالها أم لمن سينضم لصفوفها لذلك هي لا تفرط في قضية الخبرة بل لا جفاء لها مع سؤال الخبرة، ومما تقدّم نطرح السؤال التالي هل مسألة الخبرة أمر حتمي وتوفره شرط ذا دلالة على العطاء والتقديم؟
هل يمكننا أن نناقش مع المؤسسات أمر الخبرة أم أنها مسالة بديهية لا تراجع ولا تناقش؟ مسألة الخبرة فيها كلام وكلام وكثيرا ما تكون النتائج سيئة والمردود خارج الجودة نتيجة اعتماد الخبرة، وإهمال الجانب الأهم ما يملكه المتقدم للعمل، أو حتى المزاول له منذ مدة والذي ترجمته للواقع إتقان العمل والتميُّز فيه والإضافة عليه. توفر شرط الخبرة ليس هو الأساس، وليس هو الذي يدلل على أن الشخص ذا كفاءة ومقدرة، بل الكفاءة لها منافذ وشرايين تحدد من خلالها، فليس كل قديم نافع ولا كل تاريخ يؤرخ، ولا كل موجودٍ أحسن مما سيوجد، ولا كل من طال به أمد الوظيفة أهل لها إنما الأهلية الوظيفية تحدد من خلال معايير أخرى تماما.
الأقدمية (الخبرة) كما هي معروفة عند معظم المؤسسات غير محددة النشاط فالمؤسسة من ضمن شروط الالتحاق بها أن تتوفر على أقدمية التي تعني الخبرة لا تسألك عن نمطها، ولا يهمها أصلا مجال خبرتك |
في عين أمر الواقع ما يبقى هو الأكثر جدارة والأكثر نفعا واستحقاقاً، فالمؤسسة التي تُبقي وتضم على أساس الخبرة تحتاج إلى جلسة مراجعة على أساسها تحدد ما الأنفع والأصلح لها؟ التقنية وعالم التكنولوجيا بفضلهما أسديت لنا خدمات جلية وأضحى بالإمكان قياس درجة الكفاءة بكل سهولة وأريحية، بل لا تحتاج منا سوى قليل القليل ووقت قليل. أما الطريقة الكلاسيكية التي تعتمد على سنوات القعود باغماض العين عن فحوى سنون القعود هي الأكثر ضرر وما النتائج الكارثية للمؤسسات إلا صدى ترجمة أقدمية زائفة.
للأسف تجد معظم المؤسسات لا تتهاون فيما يخص الأقدمية وتعتبرها مكسب لها وخطوتها الرابحة في حين أن هذه الخطوة قد تكون عليها خسارة لأنها بواسطتها تُمنع من طاقات وقدرات جبارة، فكم من كفاءة رجع صفر اليدين من مؤسسة كان حالما بها وهي نفس الشيء لا لشيء إلا لأنه لا أقدمية له لا في مؤسستها ولا في غيرها من المؤسسات؟! وما يزيد الأمر حيرةً أن هناك خلط بين الأقدمية والخبرة، ولا يوجد فاصل بينهما، وتجنب بيِّن لِمَ بحوزة الأفراد من إمكانات وخبرات! كما أن الأقدمية بالنسبة لهم خبرة، والخبرة المفروض هي: تمكن الشخص من فهم وظيفته جيدا والقيام بها على أحسن وجه بل والاتيان بجديد فيها نظرا لما قضى من مدة زمنية وهو يراوحها بلا مفارقة. في حين أن القِدم ليس هو القدرة والعكس صحيح؛ لنضرب مثال حتى يتضح المغزى لنفترض أن مؤسسة وظفت شخص عديم القدرة ولا فقه له فيما يخص العمل بل إنه في عداد الكسالة لكن هذا عمّر في الوظيفة وقضى فيها زمناً طويلا مع العلم أن هذا الشخص لم يقدم أي جديد للوظيفة يذكر، بل كثيرا ما أعاقها، كما أن كسله لم ينقطع بل استمر وتضاعف.
السؤال هل يعني هذا أن الشخص المعني حصل على خبرة؟ وهل يعني طول بقائه تمكنه من فهم وظيفته وإبداعه فيها؟ وهل يعني هذا أن له أفضلية على من هو أكثر كفاءة منه لكنه لم يمارس ذات الوظيفة من قبل؟ وهل يعني ذلك أن له أحقية مطلقة في شغر هذه الوظيفة؟ الإجابة واضحة، والواضح أيضا أن الأقدمية شيء والخبرة شيء آخر. كما أن مسألة الخبرة ليست مسألة مطلقة لا تتبدل ولا تتغير الخبرة قد تختلف من شخص لآخر ومن مجال لآخر، بل إن أساس الاجتماع متغير بحكم المتغيرات الجديدة؛ لذلك الخبرة قد تنفع مدة، وقد تفرض علينا المتغيرات الجديدة الاستغناء عن الخبرات السابقة واستبدالها بأخرى جديدة. لذلك لا غنى للمؤسسات أو لكل من بيده سلطة التوظيف عن جهاز تقييم من خلاله يقيم الفروقات بين الخبرات المختلفة في نفس المجال وفي غيره، وتخطي مسألة الأقدمية لأن القدم لا يعني بالضرورة قوة التقديم والعطاء بتاةً.
الأقدمية (الخبرة) كما هي معروفة عند معظم المؤسسات غير محددة النشاط فالمؤسسة من ضمن شروط الالتحاق بها أن تتوفر على أقدمية التي تعني الخبرة لا تسألك عن نمطها، ولا يهمها أصلا مجال خبرتك حتى ولو كان خارج مجال نشاطاتها المهم أن من ضمن ملف المتقدّم ورقة مسطورٌ فيها خبرة بغض الطرف عن أي نوع من الخبرة وتناسي أن هذه الوظيفة قد تكون بالنسبة للمتقدم نقطة الصفر لأنه لم يمارسها من ذي قبل أما قياس فعلية الخبرة فعلا فلا حديث أصلا.
المؤسسات قوة عصرية ذات مردود نافع على الإنسان بصفة عامة، لكن هناك خطوات تتخذها هذه المؤسسات تحتاج إلى مراجعة ونقد ليتم تصويبها لتقدم المؤسسات بشكل أفضل وأوفر مما كان ومن هذه الخطوات المتبعة خطوة الأقدمية والخبرة التي يجب على المؤسسات إعادة النظر فيها ليتم توظيف الطاقات بشكل صحيح ولو تم ذلك فالعائد بالتأكيد سيكون كما نريد ونبتغي لنا ولمجتمعاتنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.