هل تستطيع أن تفعل ما تريد وقت ما تريد بالإمكانيات المتوفرة لديك دون المساس بحريات الآخرين وحقوقهم؟ إن كان لا! فهل تعتقد أنك تعيش حياة سليمة، لماذا خلقت الحواجز الوهمية، ولماذا يسعى الكثير إلى رسم السياسات العامة للثقافة؟ فيحرم الكثير من ممارسة حياتهم الطبيعية! أم أنها الهيمنة التي يسعى اليها الكثير من الناس بدواعي دينية أو أخلاقية حسب اعتقادهم.
كثير من الناس لهم فكرهم وقناعاتهم المغايرة تماماً للقناعات السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه، وهنا السؤال الهام ما هي علاقتي بالمجتمع، وهل أنا ملزمٌ باحترام جميع عاداته وتقاليده سواءً كنتَ مقتنعاً بها أو غير مقتنعٍ بها؟ وكيف للمجتمع أن يتقبل جميع التناقضات التي أحملها في عقلي؟ نعم إن اختلافاتي هي ملك لي لا أمس بها حقوق الآخرين حسب قناعتي، إلا أن الشخص المهيمن يرى غير ذلك، فيعتقد أن مخالفه مثل سوسة ستبدأ بنخر بيته الخشبي رويداً رويداً وتتكاثر داخله إلى أن ينهار بيته، والذي يعتقد صاحبه المهيمن أنه أساس الحياة، لذلك سيدافع تلقائياً عن كل الاختلافات التي قد يراها مصدر تهديد لوجوده ولبيته المحصن! لكن السؤال الهام هل أنا باختلافاتي مصدر تهديد لبيته الخشبي، في الحقيقة لا! فلكل شخص حياته الخاصة في الدنيا وله حرية المعتقد والفكر بما لا يضر مباشرة بحريات الآخرين أو حقوقهم، والواجب الحقيقي من الجميع هو احترام جميع الأفكار في المجتمع طالما لا تمس بالحقوق والحريات مهما كانت متباينة.
نحتاج ثورة حقيقية نعيد بها ترتيب مفاهيمنا لقواعد الحياة وأساليب التربية والتعليم أيضاً، حتى نصل إلى مجتمع متعدد قادر على المنافسة والتطور لا يسود فيه صفات الكذب والنفاق والخداع. |
إن إعطاء الإنسان لمساحة كاملة خاصة به تمنحه قدرة أكبر على الإبداع والتطور وتخلق منه انساناً حقيقياً لا يمتلك صفات الكذب والنفاق كما وتعطي للمجتمع تنوعاً فكرياً متعدداً يساهم في تطوره وازدهاره. ولكل شخصٍ الحقُ في نشر فكره الذي يعتقد أنه على صواب دون إجبارٍ أو إكراه، وهذا ما يسعى الآباء من خلال توريثهم الفكر الذي يحملونه لأبنائهم في معظم الأحيان. لكن مجموعة من الآباء ترى الأمر بصورة مغايرة قد يعتقد البعض أنها تحتوي على مخاطرة كبيرة على مستقبل أبنائهم الذي رسموه في مخيلتهم. حيث يسعى هؤلاء الآباء إلى غرس تنوع فكري في عقول أبنائهم منذ صغرهم في جميع المجالات المناسبة لعمرهم في حينها. وينمو هذا التنوع الذي يؤهل حامله إلى احترام جميع الأفكار التي يحملها في رأسه، وخطوةً خطوة وبعيداً عن أصحاب الهيمنة سوف يميل الشخص إلى اختيار المسار الفكري الذي يجده أقربَ لفكره وأكثرُ قناعةً به، نعم إنها مخاطرة بالنسبة للكثيرين، إلا أنها تخلق إنساناً حقيقياً.
ويجدر الإشارة إلى أن عدداً من الآباء يترك مساحة كافية لأبنائه ولا يجبرهم على اختيار مسار محدد لعدم قناعته الكافية بالمسار الذي هو فيه وهذا يختلف عن الشخص السابق. كما أن المؤسسات التعليمة في المجتمع تساهم بشكل كبير في منح الحرية للفرد أو حرمانه منها، فمؤسساتنا التعليمية قائمة على الحفظ والتلقين بما تراه الدولة مناسباً لفكرها المهيمن. وما يقوم به المدرس في كثير من الأحيان هو مزيدٌ من الهيمنة بالأساليب القمعية القائمة على الإجبار والعنف والتسلط. إضافة إلى الطاعة العمياء مع غياب لغة الحوار والإقناع وهذا ما يؤدي إلى مظاهر الإقصاء وعدم قبول الاختلاف. والسؤال الهام، كيف لطفلٍ نشئ على الضرب والإهانة والتقليل من كرامته أن يحترم الاختلافات الفكرية والتعددية في المجتمع، كيف له أن يحاور غيره بالعقل والمنطق. نحتاج ثورة حقيقية نعيد بها ترتيب مفاهيمنا لقواعد الحياة وأساليب التربية والتعليم أيضاً، حتى نصل إلى مجتمع متعدد قادر على المنافسة والتطور لا يسود فيه صفات الكذب والنفاق والخداع، ويقدس حرية الآخرين ويحفظ حقوقهم المشروعة. وهذا ما تنص عليه الشرائع السماوية والقوانين الأرضية إلا أننا مع الأسف ننفذ من الشرائع قشورها ونترك جوهرها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.