حَياتنا مليئةّ بالعلاقات والروابط والصلات، وَمن أهم تِلكَ العلاقات وأبرزها العلاقة بين الرجل والمرأة، فعلاقةُ الرجل بزوجته من أقدمِ العلاقات وأعرقها على مر التاريخ، بدءً من سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء. ولما كانت تلك العلاقة هامة كان لابد من الحديث عنها، كيفيتها وأصولها وقواعدها، وَفيما يلي سنتناول سويًا كَيفية معاملة الزوج لزوجه، وَلمعرفة كيفية المعاملة لَابد للرجل أن يفهم ويعي طبيعة زوجتهُ التي فُطرت عليها.
خَلقَ الله الذكر والأنثى لِيعمرا الكون معًا، وعمارةُ الأرض ليست بالنسل فقط، بل بأشياء أخرى ساميةٌ نبيلة تتجلى في الرحمةِ والود واللين والتفاهم والاحترام وَالتعاون لِتصبح الأرض جنةٌ مُزينةٌ عامرة. وَلما كانت علاقةُ الرجلِ بالمرأة من أقدم العلاقاتِ التي عرفتها العقول والقلوب، وَلما قدس الله سبحانه تِلكَ العلاقة وأعلى قدرها، وَلما تحدث عن أهميتها وضوابطها رسول الله صل الله عليه وسلم، وَلما فرط في تلك العلاقة من فرط وأهانها من حاد عن طريق الله ورسوله صل الله عليه وسلم، كان لابد من الحديث عن تلك العلاقة وعن كل ما يخصها، وسنتناول في هذا المقال بإذن الله تعالى "كيفية معاملة الزوج لزوجته".
يَقول الله جل شأنه في محكم التنزيل "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، والمعروف هُنا يشمل الطيب من الخلقِ قولًا وفعلًا، وَحسن العِشرةِ، وِلمعرفةِ كيفية المعاشرة بالمعروف لابد من فهم طبيعة الزوج لزوجه حتى يتسنى له حُسن معاملتها والإحسان إليها حبًا لله ولرسوله صل الله عليه وسلم. فالمرأةُ تختلفُ في طبيعتها عن الرجل، فكما قال الله تبارك وتعالى في سورة ال عمران على لسان والدة العذراء مريم "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى"، وهنا الاختلاف بين الذكر والأنثى ليس اختلاف أفضلية لأحدهما عن الآخر، بل هُو اختلاف تنوع، اختلاف بين جنسين لِيكمل كلًا منهما الآخر وَيُوارى سوءاته، لَا ليتفضل أحدهما على الآخر.
المرأة كائن حساسٌ رقيق، يَبحثُ عن أدقِ الأمور لِيهتم بِها، موقنةً في قرارةِ نفسها أن اتحاد تلك التفاصيل الصغيرة التي يراها الرجال تافهةٌ وعادية هي من نسجت من خيوطها تلكَ الأمور الكبيرة |
فقد ثبت عِلميًا أن طريقةَ تفكير المرأة تختلفُ عن الرجل، فالمرأةُ تُفكر بالجزء الأيمن من المخ وَهو المسئول عن العاطفة، على عكس الرجل الذي يفكر بالجزء الأيسر من المخ وهو المسئول عن العقلانية، لِذا على العقلانية أن تتخذ من العاطفةِ سكنًا لها لِتمتزج عقلانية الأمور بالرحمةِ والحنان فتغدو أحق وأفضل من العقلانية بمفردها. ويتجلى ذلك أيضًا في قول نبينا صل الله عليه وسلم "ناقصات عقلٍ"، وهذا الوصف تكريمًا للمرأةِ وليس إهانةَ لها كما يزعم البعض، فنقصان العقل هذا لسبب وهو ما ذكرته مُسبقًا أن المرأة عاطفيةٌ أكثر منها عقلانية، وهذا لا ينفى ألا تكون المرأة حكيمةً في قراراتها وأمورها، بل هذا أيضًا تأيدًا لحكمتها، فما الحكمةِ إلا فهم وإدراك ورحمة.
المرأة كائن حساسٌ رقيق، يَبحثُ عن أدقِ الأمور لِيهتم بِها، موقنةً في قرارةِ نفسها أن اتحاد تلك التفاصيل الصغيرة التي يراها الرجال تافهةٌ وعادية هي من نسجت من خيوطها تلكَ الأمور الكبيرة. كَذلك فإن المرأةَ تَحتاجُ إلى من يدعمها وَيساندها، من يُشعرها بأنه بِجوارها لن يتخلى عنها مُطلقًا مهما حدث، تَحتاجُ إلى الشعورِ بالأمان والاطمئنان والسكينةِ وترغب أن تجد كل هذا في رفيقُ دربها، كذلكَ تحتاجُ إلى مَن يُعطيها الاهتمام والعنايةَ، تحتاجُ أن تشعر بأنها أولى أولويات زوجها، يتألم إن بكت أو مسها نصبٌ أو هم أو حزن، مَن يسعدُ وَيُسر لفرحها وَبهجتها، مَن يُصغى لحديثها وَلو كان عن شيء صغيرٍ لَا يُلاحظ.
وَلما كان لنا في رسولِ الله أُسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليومَ الآخر فلزامًا علينا أن نتعلم منه صل الله عليه وسلم كَيف يُعامل الرجل زوجته، أوصى صل الله عليه وسلمَ كثيرًا بالنساء فقال "استوصوا بالنساء خيرًا"، وقد كان صل الله عليه وسلم خير الناس بأهله، فقد كان يُحسن لزوجاته أمهات المؤمنين، فكان يُضاحكهن ويتحدث معهن وَيصغى إليهن، كَان يَفرش لهن رداؤه صل الله عليه وسلم ليجلسن عليه إن كن مع حضرته في سفرةٍ ما، كَان يتسابقُ هو وأُمنا عائشة رضى الله عنها، وَكان يُكرمهن وَيُحسن إليهن وَيلاطفهن، وَقد أوصى بذلك أيضًا فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا وَخياركم خياركم لنسائهم" وفى لفظ أخر "ألطفهم بأهله" والمقصود بأهله هنا زوجته.
فبالله يا أخي تراجع عَن تِلكَ الأفكار والبذور الخبيثة التي يُحاول من لَا دين لهم غرسها في صدور رجال المسلمين، لتتمزق علاقةُ الرجل بزوجته، تِلكَ العلاقةُ المُقدسة، دَعك منهم يا أخي وألقِ بما يُريدونه ويسعون إليهِ بعرض الحائط ولا تلتفت إلا لقول ربكَ وسنةِ نبيك صل الله عليه وسلم، فاقتلع من عقلكَ تِلكَ الأفكار الدنيئة بأن الزوجةَ لا حقوق لها عليك، وبأنها ليس لها إلا الطعام والشراب والمسكن، اسمو بروحك وبفكرك وتعطر من عطر السنة، امنح زوجتك بعضًا من الوقت تُصغى لشكواها وَما تُكنه بداخلها، فأنت الأقرب منها بعد ربها.
امنحها الأمان والسكينة والحب تَجدها تشتكِ لكَ منك إن أزعجتها، وَتلجأ إليكَ إن أغضبتها، وَتضعُ رأسها على صدركَ باكيةً إن صدر منك ما نَغصَ عليها حياتها وَلو كان شيئًا قليلًا بسيطًا فالمرأة كما ذكرت لكَ حساسة بِفطرتها، أسمعها كلمةَ شكرٍ على تعبها طوال اليوم واهتمامها ببيتك وأطفالك وَبكل شيء يُخصكما معًا، اعد لها مُفاجئة بين الفترةِ والأخرى، ولو كان تِلكَ المُفاجئة وردة أو عبارةُ شكر وحبٍ دَونتنها ولو بخطٍ متعثر على إحدى وريقات دفترك، كُن لها معينًا وسندًا لَا تخجل أن تتكأ عليهِ في أي حالٍ من الأحوال، جرب كل هذا ولاحظ الفرق في حياتكما.
وبالله لا تقرب أي لونٍ من ألوان الإهانة، كالضربِ والسبِ واللعن، وَجروح القلبِ وخدوشَ الروح، فالمرأةُ التي تُهان تَذبل، ومن ذبلت زوجته لَا قيمةَ لوجوده، لو ترى زوجتك وهى تبكى ويعتصر قلبها ألمًا عند إهانتك لها والله ما هنتها قط، لَو أزلت الغشاوة التي عميت بصرك وَاستشعرت الانكسار الذى تُعانيه زوجك من قساوتك عليها لَما كففت عن الاعتذار إليها وطلب السماح من بارئها على تقصيرك في حق الله وحقها، فزوجتك التي تُهينها هي ذاتها من تركت حضن أبيها وَحضن أخيها لِتستقر بأحضانك أنت، فاتقِ الله فيها.
جرب أن تكون رفيقها وحبيبها وزوجها وقرةُ عينها، اسع يا أخي واعلم أن معيةَ الله تصحبك ما دامت نيتك خيرًا، فأنا أوقن أنك تبحثُ عن حياةٍ هادئةٍ مستقرة يَكسوها الأمان وَيتوجها الحُب وَيعطرها راحةَ البال وصفاؤه، وكل هذا لن يتحقق إلا باتباعك لأوامر الله ومنهج رسوله صل الله عليه وسلم، رزق الله أزواج المسلمين حياةً مليئةً بالمودةِ والرحمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.