شعار قسم مدونات

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ.. هكذا تواجه عقبات الحياة!

blogs الصبر

قد يُصاب أحدنا بفترة طويلة من المصاعب والانتكاسات الذاتيّة والاجتماعية، ويخضع لأذى فلانٍ ونُكران الناس. ثم يُحاول أن يلتفت إلى اللّٰه، لكن بشرط: أن يرى استجابة سريعة مضمونة ونهائيّة منهُ تعالى. ولمّا لا يحصل ذلك، ينقلبُ على اللّٰه بسوء الظن، وتفور نفسه بطوفان من الشكّ بكلّ شيءٍ يمتُّ إلى اللّٰه بصلة! ولكن، هل يا ترى قمت أنت بترتيب مقدّمات صلاح نفسك؟ وتخليصها من عقد الخوف من هذا وذاك؟ وشمّرت عن ساعدي الهمّة كي تزداد معرفة باللّٰه، وبنفسك، معًا؟

 

كُلها أسئلة نتهرب منها في دواخلنا لأننا ندرك جيدًا أن من لا يُغيّر ما بنفسه، ومن رميِ بتُهمة وفشله الذاتي على الآخرين، ومن عرض عن إتّهام نفسه أولاً بما تفعل يداه، فإنّه مهما دعا اللّٰه بتغيير أحواله، لن تتغير. سيّدنا يوسف عليه السلام، رماه إخوته في البئر، ثم صار عبدًا، ثم هجمت عليه أمواج الشّهوات، ثم سُجن، ثم ابتلي بتعليق الأمل على غير اللّٰه فطال سجنه، وبعد كل هذه السّنين الطّوال من البلاء أهدانا مفتاحًا سحريًّا: "قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّق وَيَصْبِرْ فإن الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين". وهنا يتحقق معنى التلذذ بثمار الصبر الطازجة على موائد الرضى.

لا يستطيع أحدُ منا أن يُنكر ما للروح المعنوية من طابع راسخ لدى الفرد والجماعات فالإنسان الذي يحسُن بلاؤه وتكبر قيمه لا ولم يستمد طول ثباته وقوة مواجهته في الحياة إلا من رسوخ عقيدته وقوة صبره (فذخيرة الخٌلق المتين والمسلك العالي أجدى على أصحابها وأكسب للنصر من أي شيء آخر) فالنفس وحدها هي مصدر السلوك والتوجيه. من منا لم تتعرضه الخيبات في مساره لهدفه من منا لم يتبلل بوحل الخذلان من القريب أو البعيد من منا من لم يتسمم بكلام الحاسدين المٌحبط للنفس. فعلا إنها لتقلبات جوية واحدة قد أثرت فينا بشكل أو بآخر. لكن لكل منا كان له الدرع الخاص به أو بالأحرى ما أودعت فيه نفسه على حسب ما غمرها من أفكار وعواطف ليواجه هذه التقلبات.

كما تأخذُ الموجة الكبيرة شيئًا كثيرًا من رمال الشاطئ. كذلك تفعل بنا عقبات الحياة، تأخذ منا الجُرأة والأمل. لذا وجب علينا محاولة ألا نكون شاطئًا لأحد فكل شاطئٍ لغیر اللّٰه، لا منارة فيه

فمنا من غمرتهم أحضان الخوف فولدت في أنفسهم العديد من الرذائل من تردد وسوء ظن ومن جعل نفسه موطنا مناسبًا لتختمر فيه هذه الجرثومة كان لعلاقاته مع الناس التلاشي والفناء لأن القلوبُ التي يُسيِّرُها الخوفُ، قلوبٌ يسكنها جهل كثيرٌ ومعرفةٌ قليلة. لا يمكن لأي مخلوقٍ أن يكون قائده الخوف، في أي مكان وأي موقع وأي حالة كان فيها، لأنّ الخوف الخالص يُلغي في قباله أشياء كثيرة بالغة الأهمية، كالعقل، والحبّ، والإرادة والجرأة على الخوض في غمار كٌل جوانب الحياة. ومن هُنا يجب أن ندرك أنه في رحمة الله أبواب مجنحة تؤوي القلوب التي عانت وتؤوينا، فلو لم يكن القلب صافيا طاهرا لما كان الوعي بصيرا كاملا فالتحليق بأجنحة الصبر في سماء الله الواسعة والمداومة على السؤال بربطة الظن الجميل بالله يتسامى ويعلو شأن الواحد منا على أنه ذلك الفرد الذي أطفأ نيران غضبه بدمعة ذرفها أناء رفعه ليديه ليطلب مبتغاه من الله. وهو جالس على سجادة حُطت على أرضِ الاستقرار بالرضى.

حتى وإن كانت خُطانا في أرض الحياة الباردة وكان بردها ينتَزع آخر الأنفَاس من صَدورنا لكننا على ثقة بالله وحسن ظن كبير به فتخرُج تلك الأنفاس بيضَاء تُشبه الرُّوح، لتتشكّل غلالة تلتفُّ حول بصَرنا الكليل وتعمِيه عن رؤية خط النّهاية لهذا المسار رغم يقيننا بأنه هناك، على مرمَى بضع نبضَاتِ قَلب.. لو كان في النّبض بقيّة! سندرك أن الصبر درع من صلب، يلبسه كلٌّ منّا ليُواجه به تقلبات الحياة وحسن الظن بالله ثوبٌ أبيض، ما أسهل اتساخه، لذا علينا تنظّيفه كلّ يومٍ بالدعاء.

 

فكما تأخذُ الموجة الكبيرة شيئًا كثيرًا من رمال الشاطئ. كذلك تفعل بنا عقبات الحياة، تأخذ منا الجُرأة والأمل. لذا وجب علينا محاولة ألا نكون شاطئًا لأحد فكل شاطئٍ لغیر اللّٰه، لا منارة فيه قد تفنى وتتلاشى فيه إذن اتّق واصبر.. ولا يزلزل قلبك الشكّ مهما بدا لك لذيذًا وهيّنًا، وسيفتح اللّٰه لك عين القلب لترى ملكوت الله. قال الغزالي رحمه الله: إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى.. فاعلم أنك عزيز عنده.. وأنك عنده بمكان.. وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه.. وأنه.. يراك.. أما تسمع قوله تعالى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا). ما أجمله من إنسان يُواجه الحياة وعلى شفتيه بسمة تترجم رحابة صدره وحسن خُلقه وسعة احتماله. بسمة ترى في الله عوضا عن كُل فائت وفي لقائه المرتقب سلوى عن كُل مفقود.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان