شعار قسم مدونات

لأَننا أحببناهم..

blogs - friends friend happy

كُلٌ مِنّا يمرُ بخيباتٍ وانكسارات وهزائم عِدة، نُصابُ ببعضٍ من الفتورِ والعجز أحيانًا، نَشدُ شراع الأمل فَنبحُر بسفينتنا لِنصل إلى البر فننالُ قسطًا من الفرح بعد عُمر من الحزن والضيق أحيانًا أُخرى، ورغم ما نمر به ويمر بِنّا، ورغم ما نتعرض لهُ إِلا أنه يُصبح لا قيمةَ لهُ مُقارنةً مع ما يُصيبُ أحبتنا، تمامًا كصفرٍ على يسار ملايين الأرقام. وَلكن تُرى ما السبب وراء ذلك؟، هل هو صعوبة وقسوة ما يتعرضوا له؟، ولكننا نتعرض لما هو أصعب وأقسى!، السبب الحقيقي هو محبتنا وعشقنا لهم وَلكل ما لهم ولو كان صغيرًا في أعينهم.

إن صابت أحدهم شوكةً صغيرة تَكاد لَا تُرى، نبكى ونتألم لأن تلك الشوكة لم تصيبهم فحسب بل أصابت قلوبنا مراتٍ عدة، فما بالك إن كان الأمر أكبر!، إن فقدوا حبيبًا أو عزيزًا لديهم ترانا نبكى لبكائهم ونحزن لحزنهم، لا ندرى أنواسيهم أم نواسى أنفسنا، نُذكرهم بصبر النبي صل الله عليه وسلم ورضاءوه بقضاء الله واحتسابه عندما فقد جده وعمه وحبيبتهُ الأولى وزوجته أُمنّا خديجة رضى الله عنها وأرضاها، نذكرهم بأننا جميعًا راحلون كما قال الله جل في علاه "إِنَّكَ مَيتٌ وَإِنّهُم ميتُون"، ندعوا لهم بأن يربط الله على قلوبهم وقلوبنا وَيُهون عليهم مرارة الفقد، ورغم ذلك نشعر تجاههم بالخجل والتقصير لأننا مهما قدمنا فهو قليلٌ في حقهم.

إعلان
قُلوبنا على يقينٍ تامٍ بأَنّ الحياةَ لا تخلو من الجهد والتعب والعناء، وأنَّهُ على قدر القوةُ والصلابة يَكُون الاختبار، وَلكن لُطفَ الله ورحمتهِ في معيةِ عبدهِ

نحزن إن عبثت بأحلامهم الحياة، وألقت بها أرضًا، وسحقتهَا الرياح بعيدًا، وَنتألم إن فقدوا شغفهم تجاهَ السعي وراء تحقيق أحلامهم الوردية البهيجة تلك، نُوقن تمامًا بأنّهُ مَا كُتبَ لنا سيكُون، وأن الله لَا يختار لعبادهِ سوى ما فيه خير وصلاح، ولكننا في الوقتِ ذاتهُ نُدرك معنى أَن ينقضَ جِدار حُلمك أمام عينيك حجرًا حجرًا، وأنت تفعلُ ما بوِسعكَ ولكن دون جدوى، فقد قُضى الأمر.

نتريثُ قبل الحديثِ معهم في مواقف الشِّدة والأزمات، نُفكر في الكلمةِ آلاف المرات، نحسب تأثيرها على قلوبهم ونستشعره بقلوبنا أولًا، ننتقى خيار الكلمات خَوفًا أَن نَخدشَ قلوبهم ولو خدشًا بسيطًا لَا تَشعر قلوبهم بِه لبساطته، نُحارب الحياة لأجلهم وَنُعاركها وَلو كُنا ضعافًا مرضى، نطعن قلبها القاسي بخنجر أملنا وإصرارنا، نجعلها تحنى جبهتها أمامهم مُستسلمةً راكعةً راغمة.

قُلوبنا على يقينٍ تامٍ بأَنّ الحياةَ لا تخلو من الجهد والتعب والعناء، وأنَّهُ على قدر القوةُ والصلابة يَكُون الاختبار، أَحيانًا أو رُبما دائمًا يكون الاختبار قاسٍ وَصعب، وَلكن لُطفَ الله ورحمتهِ في معيةِ عبدهِ دائمًا، يُهونانِ عليهِ مرارةَ الاختبارات وقسوتها، فلولا رحمته سبحانه ما صِرنا إلى ما نحنُ عليهِ الآن، نَعترف بأننا مهما أُوتينا من عقلانيةٍ وحكمة إلا أننا نظل جُهلاء لَا نفقهُ ولا ندركُ حكمةَ الله من وراء تلك الانكسارات، التي لولاها لما اشتد عودنا وقويت شوكتنا، لولاها لما صِرنا أقوياء وأشداء بعض الشيء، لولاها لكنّا كالنبتةِ الصغيرة التي تقتلعها من جذورها نسمات الهواء الضعيفة.

نحتاجُ من يُقاسمنا أَفراحنا، بهجتنا، انتصاراتنا، وكذلك نجاحنا، نحتاجُ من نرى في عينيه لمعةً وضياءً لأفراحنا كأنها أفراحهم هم، يُسرون لأجلنا، يُسعدونا بإطلالتهم الدائمةِ المُشرقة
نحتاجُ من يُقاسمنا أَفراحنا، بهجتنا، انتصاراتنا، وكذلك نجاحنا، نحتاجُ من نرى في عينيه لمعةً وضياءً لأفراحنا كأنها أفراحهم هم، يُسرون لأجلنا، يُسعدونا بإطلالتهم الدائمةِ المُشرقة
 

وَكما أَن في الحياةِ صِعابٌ وعثرات، كذلك فَإن فيها مِن الفرح والسعادةِ والهناء مَا يجعلُ قلُوب أحبتنا تبهتج وَتُسر، وَمن ثم تبهتجُ قلوبنا نحن، فإن ذاقت أَرواحهم السعادةَ مرةً ذَاقتها أرواحنا مرتين. وَلأنَّ قُلوبُ أحبتنا ورديةٌ نقيةٌ صافية لِذا فإنَّ أبسط الأمور وأصغرها تُسعدهم وَتُفرحهم، يبتسمونَ لابتسامة طفلٍ صغيرٍ عابر لا تربطهم بهِ أيةَ روابط سوى رابط البراءة والنقاء، يُسرون بإنجازاتهم ونجاحهم وَنحن نقفُ بجوارهم ندعمهم وندفعهم للتقدم نحو القمم، لا نُقلل من نجاحهم ولا انتصاراتهم وَلو كانت تغلب أحدهم على أمرٍ يظنهُ الناس عادىٌ وتافه.

إعلان

كُلٌ منا يَرغبُ في وجود أحبةٍ له، يستند إليهم وقتَ شدتِه، يميل على كتفهم فينال قسطًا من الأمان والتفاؤل فيتغلب على عثراتهِ وصعابه، ومن ثم يُواصل سيره دُون أن ينكسر أو يلين، يحتاجُ إلى قلبٍ يشدد من أزرهِ، وروحٌ تُصغى إليه حينَ يستمعُ الجميع.

كذلك نحتاجُ من يُقاسمنا أَفراحنا، بهجتنا، انتصاراتنا، وكذلك نجاحنا، نحتاجُ من نرى في عينيه لمعةً وضياءً لأفراحنا كأنها أفراحهم هم، يُسرون لأجلنا، يُسعدونا بإطلالتهم الدائمةِ المُشرقة. لَم يكن حديثنا عن أحبتنا منًا مِنا عليهم، وإِنّما هو اعترافا مِنا لهم بأن مهما فعلنا ومهما قدمنا لأجلهم سيكون قليلًا في حقهم، أدامَ الله أحبتنا وأدام بهجتهم وسعادتهم، وأظلنا الرحمن برفقتهم تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان