لطالما كانت قضية المساواة بين الرجل والمرأة الشغل الشاغل للكثيرين. وعليها قامت الدنيا ولم تقعد حتى صارت المرأة ندًا للرجل في كل شيء وصارت تناضل في معترك الحياة بصلابة وقوة كالرجال، وصرنا جميعًا سواء لا فرق بين رجل وامرأة. هذا كان مطلبكم الذي سعيتم لأجله ومن أجله قامت حركات وأحزاب ومؤسسات، وعلى إثر ذلك ظهر لدينا مصطلح جديد: امرأة قوية مستقلة. صارت الفتيات يتصارعن على حمل هذا اللقب وكأنه جزء من زينة المرأة؛ ولا امرأة بدون زينة! أن تكوني امرأة فقط لم يعد كافيًا؛ بل كيف تصيرين امرأة فقط؟!
لنعد لما قبل الحضارة، قديمًا قبل عصر الثقافة والتنوير حينما كانت المرأة امرأة فقط، حينما كانت المرأة تحيا في قصر موصد، وتُعد منذ نعومة أظفارها لكي تصبح زوجة وأمًا. قديمًا رغم الكثير من الكبت الذي كانت تُعرض له المرأة إلا أنها كانت أغلى سلعة. لأجل المرأة كان الرجال يردون المهالك، ويلقون بأيديهم إلى التهلكة فقط للفوز بامرأة ما. كم قامت حروب، ونشبت فتن لأعوام لأجل امرأة واحدة فقط. رغم كل ما نرمي به تلك العصور من الجهل والتخلف؛ إلا أن المرأة كانت تحظى فيها بتقدير يفوق بمراحل ذلك الذي تحظى به "المرأة القوية المستقلة". طالما صارت المرأة قوية عليها أن تحصل على كل شيء بقوتها، وطالما صارت مُستقلة لا يحق لها أن تطلب المدد وهذا أسوأ فخ وقعت فيه المرأة الحديثة. أنت لم تخلقي لتكوني قوية؛ بل لتُبذل القوة من أجلك. لم تُخلقي لتكافحي وتناضلي وتحاربي؛ بل لأجلك تُقام الحروب. لم تُخلقي لتبذلي جهدًا في الحصول على أي شيء؛ بل لُيساق كل شيء لكِ.
من حق المرأة أن تتعلم، وتتثقف، وتعمل وتطمح؛ لكن ليس لأن تنافس الرجال في النجاح بل لأنها لديها ما تقدمه حقًا |
قديمًا كانت المرأة في حمى الرجال، ولننصف حينها كانوا رجالًا بحق؛ ولذلك استوى المجتمع واستقام. رضي كل منهما بدوره وأداه على أكمل وجه؛ فكانوا أكثر استقرارًا منا. حتى في الجاهلية كانت المرأة أعلى قدرًا من امرأة اليوم التي أصرت على أن تنافس الرجل في كل شيء حتى في بذل الحب؛ وبذلك فرطت في آخر حصن كان يحمي أنوثتها. قديمًا كانت تُبذل النفوس من أجل الفوز بامرأة واحدة، كان الرجال لا يتكاسلون عن بذل كل غالي ونفيس حتى ولو أرواحهم من أجل الفوز بحب المرأة التي يريدون. اليوم صارت المرأة تقاتل لأجل الحصول على الحب؛ فعز عليها. ومع سقوط آخر حصون المرأة الذي كان يحمي المجتمع بأسره؛ انهارت قيمة الأسرة، وظهرت لدينا ظواهر شاذة مثل "الأم العازبة" وغيرها من مُخلفات الثقافة الغربية.
يذكر أنه في بيعة النساء، وهي آية شهيرة في سورة الممتحنة كان الرسول يأخذها عهد على النساء قبل دخولهن الإسلام ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، أن السيدة هند بنت عُتبة تعجبت والرسول يتلو عليها تلك الآية وقالت:" أو تزني الحرة!" مما يعني أن المرأة العربية رغم ما كان فيها من جاهلية كانت تعلم قدرها، وحينها فقط كانت حرة، حرة حرية الخلق وليست الحرية التي تُصدرها الثقافة الغربية والتي فيها امتهان لخلق المرأة وحيائها وانتقاص من قيمتها.
قبل أي شيء لنفرق بين عطاء المرأة الذي يفرضه عليها دورها كفرد في المجتمع بأن تُبدع وتتفوق وتتميز في أي مجال تخوضه؛ وبالطبع لا تنسى أنوثتها التي لن يستقيم المجتمع بسواها، وبين تخليها عن صفاتها ومقوماتها الأساسية وادعائها ما ليس فيها.
لسوء الحظ أن المستفيد الوحيد من تحامل المرأة على نفسها وتصنعها القوة والجلد هو الرجل! مما يعني أننا أضعنا كل هذه الأعوام من الكفاح والشقاء لكي نريح الرجال، ونحمل عنهم أدوارهم. وكي أنصف بنات جنسي ولا أتحامل عليهم كثيرًا لم يعد الرجال رجالًا، ولا أدري ما السبب. هل نقصت أنوثتنا أولًا فكانت نتيجة ذلك قلة المروءة في الرجال، أم أن الرجال قلت مروءتهم فحملناها عنهم. لا أدري أيهما تسبب في الآخر، كل ما أعلمه أن هذه نتيجة لتلك. كنتيجة لقلب الموازين في مجتمعاتنا صرنا اليوم كما قالت الكاتبة الأمريكية غلوريا ستاينم "لقد أصبحنا الرجال اللذين كنا نريد أن نتزوج!". فصارت المرأة أمًا وأب في آن واحد، ونفاجئ يوميًا بالإحصائيات المُفزعة التي تفيد بأن نسبًا كبيرة من الأسر تعولها امرأة.
من حق المرأة أن تتعلم، وتتثقف، وتعمل وتطمح؛ لكن ليس لأن تنافس الرجال في النجاح بل لأنها لديها ما تقدمه حقًا. إذا كنا سنتحدث عن قدسية الأدوار فقدسية دور المرأة المجرد "كونها أم" لا تباريها أي مهنة ومهما أرتقى الرجال وبلغوا لن يقدروا على خلق الحياة. أعدنا الله لأشرف رسالة في هذا الكون وشهدت أحشائنا أعظم معجزات الله، ألا وهي خلق الإنسان. في مقال للدكتور مصطفى محمود يقول إن الرجل يغار من المرأة لأن دورها في تلك المعجزة أكبر منه بينما دوره دور شرفي لا يُذكر؛ ولأجل ذلك غزا الفضاء وركب الرياح من أجل أن ينافسها في قدرته على خلق المُعجزات.
أن تكوني امرأة فقط ليس بالشيء الهين، ولا الوضيع: أنت الأرض الخصبة للحياة، ولو أصابك البوار لأنقرض النوع الإنساني بأكمله. كمالك في رقتك وعذوبتك وليس في قوتك. لك حظ من النجاح في ميادين الحياة؛ لكن إن فشلتِ في دورك الذي لن يؤده عنك غيرك لن تشفع لك أوسمة الأرض جميعًا. أيها الرجال خذوا قوتكم ودعوا لنا أنوثتنا كونوا رجالًا بحق في القول والفعل والعمل؛ نكن لكم نساءً بحق. أريحونا من حملكم الثقيل كي تستقيم حياتنا وحياتكم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.